IMLebanon

شراكة عون والعاهل الأردني؟

شراكة عون والعاهل الأردني؟

ناصر شرارة

منذ عودة الرئيس ميشال عون من زيارته السعودية وقطر، سرَّبت أجواؤه أنّ محطته الثانية ستكون مصر والأردن. وتبدو عمّان مهتمَّة بزيارته لها على نحو يتخطّى تنافسَ عواصم الدول العربية على إحراز لقب أيّ منها لها الترتيب الأهمّ في إطلالاته الخارجية.

العاهل الأردني الذي كان أولَ رئيس عربي يُحدّد له دونالد ترامب موعداً في البيت الابيض، تُرشّحه الادارة الاميركية الجديدة، حسب مصادر روسية اميركية متقاطعة، لأداء دور وسيط تنسيقي بين سياسات الدول الكبرى في المنطقة: بين موسكو وواشنطن، وبين محمود عباس وبنيامين نتنياهو، وبين الخليج ودمشق. وإلى جانب ذلك فهو مرشّح لأن يكون في مدار مشترك مع القاهرة ترتاح إليه إدارة البيت الابيض والكرملين، وسمته الإسلام المعتدل.

فالأردن ومصر من وجهة نظر ترامب، هما دولتان لديهما دون غيرهما من دول المنطقة علاقات ديبلوماسية مع اسرائيل، ومن منظار غير طرف، هما دولتان تتقاطعان عند مفهوم عابر للخلافات الفتنوية داخل الاسلام، إذ إنّهما يعتنقان مفهوماً يؤدي دور «نقطة الوصل» بين العقيدتين الشيعية والسنّية.

وهذا المفهوم اسمُه عند المصريين «الإسلام الفاطمي» ذو الوجدان الشيعي والهوية السنّية، وعند الاردنيين اسمُه «الإسلام الهاشمي» الذي يسترشد بانتسابه الى الرسول السابق عهده لبدء الفتنة الكبرى في الاسلام بين المذهبين السنّي والشيعي.

قبل لقائه ترامب زار العاهل الاردني موسكو والتقى الرئيس فلاديمير بوتين، وقبلها التقى محمود عباس، وبالتوازي فإنّ حركة الاتصالات بين عمان ودمشق، شهدت في الآونة الأخيرة تزخيماً ملحوظاً.

واليوم ينتظر الملك عبد الله الثاني زيارة الرئيس اللبناني، من ضمن ملفّ البحث في اوضاع المشرق وترتيب بيته في ظلّ دخول ترامب الى احداثه، ووجود إمكانية كبيرة لحصول تغييرات على الأداء الاميركي في شأن قضاياه، خصوصاً في العراق وامتداداً في سوريا ولبنان، وذلك انطلاقاً من انّ التوتّر الاميركي ـ الايراني المستجد والمتسارع، قد يَجعل هذه الساحات ميادين ساخنة أو باردة لنزاعهما.

ويسود توقّع بأنّ عون سيَجد في عمّان جدول نقاش جدّياً يتصل بصوغ اجوبة مشتركة مع العاهل الاردني، عن طريقة مواجهة انعكاسات التوتّرات الاقليمية والدولية على بلديهما، وذلك بالاستفادة من دور الملك الاردني المنتدب إليه اميركياً وبلا اعتراض روسي، أداء دور وسيط تنسيقي بين سياسات الدول الكبرى في المنطقة.

يشترك الاردن ولبنان في أنّهما أصغرُ دول المشرق التي تشهد سخونةً في هذه المرحلة، وفي أنّ استقرارهما النسبي الراهن هو نتاج توافق دولي وإقليمي عليه، مستقطَع من حروب محيطه، وتجري مواكبة ترسيخه في غمرة أنّ حدّة التوترات الإقليمية قد تؤدي الى هزِّه بعنف.

وتعتبر القاهرة أنّ أهمّ بلدين لديها في المشرق هما لبنان والأردن وتعتبرهما البوّابتين الشرقيتين لأمن مصر. إضافةً إلى ذلك، فإنّهما البَلدان اللذان أصبحا آخر مكان لديموغرافيا الشتات الفلسطيني بعدما كفت سوريا لها هذا المعنى بفعل النزوح الفلسطيني منها.

وهذا الواقع يجعلهما في مرمى خطر توطين الفلسطينيين فيما لو أحيَت إدارة ترامب مفاوضات اسرائيلية – فلسطينية. كما انّ أزمة النازحين السوريين ترمي بثِقلها على اقتصادهما الاضعف في المنطقة قياساً على اقتصاديات دول الجوار المستضيفة للنزوح السوري، خصوصاً تركيا.

هل تمهّد زيارة عون للأردن لتموضُع لبنان ضمن مدار «المحور الوسطي العربي» المقبول من دمشق والمغطّى أميركياً والمطلوب روسيّاً، والمتمركز في الأردن مع امتداده المصري؟ وبالتالي، هل يكون هذا التموضع قادراً على جعلِ عهد عون يفتح خطوطَ تحصيل ضمانات جديدة للاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في لبنان، تتعدّى مفهوم الاستقرار الراهن المرتكز على هشاشة موقف دولي وإقليمي في شأنه؟

الفكرة الجديدة على هذا الصعيد، هي أنّ التفاهم الراهن على استقرار لبنان، قد يُصاب بأضرار نتيجة ما يبدو في الأفق من ملامح عودة السخونة في علاقات طهران بواشنطن، ونتيجة أنّ الحلّ السوري قد تكون له أثمان اسرائيلية في عهد ترامب المساند لأمنها بشدّة. وعليه يبدو أنّ دور الاردن الجديد المنتدب من الدول الكبرى الساعية لإعادة ترتيب أوراق المنطقة، وتشابه تحدّيات البلدين، قد يقود إلى الاعتقاد بكثير من الثقة بأنّ زيارة رئيس الجمهورية للأردن هي أكثر من سياسية، بل تنطوي على معنى استراتيجي يتّصل بطريقة إدارة البلد في عهد عواصف ترامب في حال هبَّت على المنطقة في غير اتّجاه.