يبدو أن رئيس تكتل التغيير والإصلاح الجنرال ميشال عـــون قرر أن يخــوض المعركة لآخر «رصاصة» وفي الوقت المتبقي «الثمين» الذي يتحـدث عنه الجــميع بإنــتظار «التسوية الكبرى» أو «الإنفجار الكبير» والمرتبط بما ستؤول إليه نتائج المفاوضات النووية المقررة في نهاية شهر حزيران الجاري حيث تبدو فيها كل الملفات الإقليمية «معطّلة» بإنتظار نتائجها.. ومن ضمنها لبنان.
وفي هذا السياق تشير مصادر متابعة لتحركات الجنرال عون في الآونة الأخيرة بأنه الوحيد الذي لم يُطفئ «محركاته» وإستمر بطرح المبادرات أو وضع «الفيتوات» أو حسب ما إتهمه البعض بفرض «التعطيل» في البلد بذرائع كثيرة آخرها ملف التعيينات الأمنية، غير مدرك بأن القرار «بالتجميد» قد إتخذ من خارج الحدود ريثما يُحسم مستقبل العلاقة الإيرانية مع الغرب والذي تستتبعه بطبيعة الحال العلاقات السعودية – الإيرانية وهي جوهر ما يتحكم في مسار الحياة السياسية اللبنانية. تتابع هذه الأوساط بالقول إنه كانت لافتة المواقف الأخيرة التي طرحها الجنرال عون والتي أصبحت تتلاقى مع طروحات بعض خصومه في الماضي، ومنها كلامه عن تشجيع «اللامركزية السياسية» الموسّعة التي تصل حدّ «الفيدرالية» ليتناغم مع الطرح «الكتائبي» الأخير الذي أطلقة الرئيس المنتخب سامي الجميل في خطاب الترشيح وجعله من إحد بنوده الخمسة الرئيسة، لا بل هو من الثوابت الحزبية القديمة والتي أثارت حساسية كبيرة في ذلك الزمن لتعود وتظهر مع الرؤية «الثورية» لسامي الجميل حول مستقبل لبنان ووجوده. وهنا تتساءل المصادر ما الذي دفع العماد عون إلى تقّبل الطرح «الفيدرالي» وهو يعلم جيدا أنه يتنافى مع القناعات الساسية لحلفائه؟ تشير مصادر متابعة إلى أن الجنرال، وفي سياق الخطوات التي ينتهجها في محاولة طرح مبادراته، ثمة رسائل وإشارات تُوجه أحيانا إلى 8 آذار وذلك بغية «التحفيز» أو «الضغط» من أجل الحصول على أكبر قدر من المكاسب أو المطالب السياسية التي لم يستطع الجنرال تحقيق اي شيىء مهم منها لغاية الآن، بل على العكس تبدو الصورة اليوم غير «إيجابية» بما يخصّ معركة الجنرال تجاه الرئاسة، ومعركته الثانية في التعيينات الأمنية والتي يظهر بأن «حظوظه» في فرض أيٍ من الخيارين لم يعد واقعيا!
تتابع هذه المصادر القريبة من 14 آذار أن هذا «الضغط» يصاحبه نوع من «اليأس» يدفع الجنرال إلى الخوض بمعارك سياسية غير مضمونة النجاح، إن من حيث «التوقيت» أو من حيث» دعم» الحلفاء وسقف المطالب، فلا الظرف الداخلي يساعده بسبب عدم إلتفاف كل فريق 8 آذار حوله بكل طروحاته والأسباب كثيرة، كما أن الدول الإقليمية تبدو منغمسة بالمفاوضات النووية و«اليَمنية» أيضا ما يجعل من تحركات عون في الوقت الراهن كما يقول المثل : حركة بلا بركة!
تضيف هذه المصادر أنّ هذا «اليأس» من النتائج والتي سُدّت بوجهها كل آفاق المبادرات التي طرحها في الآونة الأخيرة ومنها التجربة السيئة مع تيار المستقبل، حيث بنى آمالاً كثيرة عليها وأصيب بخيبة أمل كبيرة جرّائها، جعلته يلتفت إلى «الخصم «المسيحي أي «القوات اللبنانية» في تغيير تكتيكي واضح يقوم أولا على إعادة ترتيب البيت المسيحيّ الداخلي قبل أن ينطلق بإتجاه الآخرين، فكان أول الغيث «إعلان النوايا» مع القوات الذي يمكن إستثماره بمواجهة الحلفاء والخصوم على حدٍ سواء. أما المرحلة الثانية فهي الدعوة إلى الأطراف المسيحية الباقية لأن تنضوي تحت شعار حماية حقوق المسيحيين وأهمها إنتخاب رئيس للجمهورية الذي يعتبر الجنرال نفسه المرشح المسيحي الأقوى فيها -وهو ما يحتاجه لبنان- عدا عن أنه «مقبول» من الجمهور «الشّيعي القوي» على الساحة حاليا او على أقل تقدير مع جمهور حزب الله وثقله على الساحة اللبنانية، وقد تأكد هذا الطرح بعد كلام نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم عن أنه أما يكون عون رئيسا أو .. الفراغ، أما فكرة الرئيس التوافقي التي يعمل على تكريس نفسه فيها، تتساءل هذه المصادر عن طبيعة موقف الطائفة «السّنية «من الجنرال عون والتي يبدو أنها تفتقد الودّ معه لأسباب كثيرة منها تحالفه «الإستراتيجي» مع حزب الله، الذي أعتبر في مرحلة ما موجّها ضد تيار المستقبل أو بسبب تأكيد الجنرال الدائم أن «الطائف» قد أهدر حقوق المسيحيين ونقلها للطائفة «السنية» بطريقة غير مباشرة، والمعروف أن الجنرال يخوض معركة إستعادة حقوق المسيحيين الضائعة وهو ما دفعه للــمواجهة القاسـية مع بعض «صقور» تيـار المســتقبل التي وصفته «بنيرون»، كما أكدت أن عون لن يصل للرئاسة مهما كلف الأمر، وإنسحب «الفيتو» على موضوع قيادة الجيش كون مرشح الجنرال للمنصب هو الصهر «العتيد» وهو ما إعتبره الجنرال «ظلما» فاضحا بحق العميد «روكز» وحرمانه من حقوق «مكتسبة» لمجرد أنه «صهر» الجنرال!
وفي نفس السياق تقول مصادر طرابلسية قريبة من «تيار المستقبل» إن اللهجة القاسية ضد الجنرال عون والتي يتولاها وزير العدل أشرف ريفي، تأتي في سياق الدفاع عن أهل «السّنة» بمواجهة مطالب الجنرال عون بدخول بلدة عرسال وعدم التهاون مع أي من المخالفات أو تسهيل حركة المسلحين، الأمر الذي إعتبره اهالي هذه المنطقة بمثابة تحريض عليهم والدعوة إلى محاصرتهم، كما أن موقف المملكة السعودية الرافض للجنرال عون إنما ينسحب على بعض «صقور» تيار المستقبل أمثال الوزير ريفي، وإنّ كان الوضع يبدو أكثر مرونة مع غيره من أبناء التيار مثل وزير الداخلية نهاد المشنوق لإعتبارات كثيرة.
تختم المصادر بالقول، إن تحرك الجنرال بإتجاه البيت المسيحي بعدما «أخفق «بتحقيق مكاسب ذات قيمة لغاية الآن، تجعله أكثر قبولا لتبني بعض الطروحات التي تبدو غريبة نسبية عن معتقدات حلفائه – تحديدا حزب الله – خاصة موضوع «الفيدرالية» الذي يثير «حساسية» الأخير بدءا من طرحه في العراق مرورا بسوريا وصولا إلى لبنان.. وهو ما يشير إلى أنّ الجنرال يلعبها على طريقة «صولد.. وأكبر»!