لا شماتة، ولا محاولة لذلك، لان العمل السياسي يقتضي الواقعية والاعتدال في النظرة الى مجمل الملفات، اذ ثمة متغيرات وتبدلات تطرأ تبعاً للظروف. هكذا ينبغي قراءة التحرك العوني الاخير للافادة منه في التطلع الى المستقبل، والى الحراك السياسي والشارعي معا.
يطالب العماد ميشال عون باستفتاء في الشارع المسيحي، تحوّل مع الوقت استطلاعاً للرأي غير ملزم لأي من الاطراف، سواء الذين ارتضوه، أو وافقوا عليه، أم أولئك الذين رفضوه أساساً. لكن العماد عون استبق الاستطلاع بحراك بدأ بوفود الى الرابية حيث مقر اقامته، وصولا الى الشارع قبالة السرايا. وهو اذا كان برّر المشاركة الهزيلة بأنه لم يدعُ الى حشد شعبي، فانما يقول بذلك نصف الحقيقة، لأنه في الايام التي سبقت الدعوة، رفع مستوى الخطاب من المناصرين الى المسيحيين ولاحقاً الى اللبنانيين كافة، آملا في تحريك الشارع، والقول لخصومه “انظروا كيف يؤيدنا الناس في مطالبنا، وكيف نزلوا الى الشارع رفضاً للواقع القائم”.
لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، فالوفود الى الرابية، كما تشير تقارير امنية، هزيلة حقاُ، وتعتمد الكاميرا “زوم إن زوم أوت” لتصوير حشود غير موجودة. والحجة ان المكان لا يتسع لعدد أكبر. أما الذين بلغوا ساحة رياض الصلح، فلم يتجاوزوا المئتين، ومنهم وزراء ونواب حاليون وسابقون، ظهروا عبر الشاشة لتحريض الناس على ملاقاتهم. لكن كل ذلك لم ينفع قط.
لذا وجب النظر بعين مختلفة الى الشارع، لأن الناس، الى أي فريق سياسي انتموا، سئموا هذه اللعبة، وملّوا خطابات رنانة لا تستوحي وقائع تثبتها، وتحقق لبنانيون كثر من أن المطالبات انما هي شخصية أكثر منها وطنية، وفي غالبها فئوية مصلحية آنية، لا ترسم افقاً، ولا تبني بلداً.
الاستطلاع الذي اراده العماد عون عرضت حلقة منه في الشارع، وحلقاته الاخرى قد لا تكون أفضل، وخصوصاً مع تنامي نزعته الى تجاهل مواقف حلفائه، وتالياً انعكاس هذا الامر على التصويت له في الشوارع التي تخص الحلفاء قبل الخصوم. وكذلك مع تنامي نزعته الى معاداة الاعلام، ولصق الخطايا بالاعلاميين، مما يرتد سلبا على الرأي العام المسيحي والوطني الذي يتأثر الى حد كبير بما يقدمه له هذا الاعلام.
الاستطلاع بانت نتائجه.