IMLebanon

رئاسة عون: من يُحبط العونيين؟

كل ثلاثة أشهر تُخرج مجموعة عونية محددة شائعة قوية تفيد بأن انتخاب العماد ميشال عون رئيساً مسألة أيام فقط. آخر هذه الشائعات حددت موعداً نهائياً قبل نهاية تموز، من دون مبالاة بالإجازة السعودية الرمضانية أو غيره، ليبلغ رفع المعنويات ذروته وبلا التفات كالعادة إلى انكسار المعنويات حين تتبين الرابية والرأي العام أن تقديرات الضاربين بالرمل لم تكن في محلها

صورة تلو أخرى، وشعار وأغنية تدغدغ الحنين وتسجيلات قديمة من زمن بيت الشعب ومواعيد، موعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وموعد خطاب القسم وربما مقتطفات منه، وموعد الاستقبالات الشعبية في بعبدا.

هكذا تتكرر اللعبة، موعداً تلو الآخر. شهراً ترتفع المعنويات وشهراً تتكسر. مصدر ما يصفونه بـ»المعلومة» الثمينة طبعاً هو عضوان أو أكثر في ما بات يوصف بلقاء السبت العونيّ. لا أحد يعلم إن كان المستهدف بعملية رفع المعنويات هذه العماد ميشال عون الذي لم يحتج يوماً لمن يرفع معنوياته بحكم ارتفاعها الدائم حتى في أحلك الظروف، أو الرأي العام العونيّ الذي لا يعاني أزمة ثقة بالنفس حتى يجري التلاعب به على هذا النحو مرة تلو الأخرى لاستجرار الإحباط. ولا أحد يعلم صاحب براءة هذا الاختراع القائم على نظرية تقول إن الرئيس سعد الحريري أمام ثلاثة خيارات للعودة إلى السلطة: 1، تعديل اتفاق الطائف. 2، الموافقة على قانون انتخابات غير قانون الستين. 3، انتخاب العماد ميشال عون رئيساً.

النظرية لا تستند طبعاً إلى أية معطيات جدية، باعتبار أن تعديل الطائف غير مطروح من قبل أية جهة سياسية بشكل جديّ وواضح وحاسم، فيما تيار المستقبل وحلفاؤه لا يزالون قادرين على إطاحة أي قانون انتخابات جديد، فضلاً عن أن الحريري لم يخرج أساساً من السلطة ليعود إليها في ظل الولاء المطلق لغالبية المديرين العامين له وسيطرته على أكثر الوزارات حساسية. لكنها مع ذلك تغيب بضعة أشهر ولا تلبث أن تعود بزخم أكبر وبهارات أقوى. فلا يكاد يصادف تيار المستقبل تعثراً في جامعة أو نقابة أو بلدية حتى يسحب أحد العونيين هذه النظرية ويبني عليها تحليلاً يفيد بنية الحريري انتخاب عون رئيساً لإخراجه من ورطاته. وبدل أن يسأل العونيون كيف يكون انتخاب رمز الإصلاح والتغيير والنزاهة في نظرهم فرصة ثمينة لمن يرون فيه رمز الفساد والإفساد والهدر واستغلال الإدارة العامة، ينشغلون عن الأسئلة بالاحتفالات. ينشغلون عن قول وزير الداخلية نهاد المشنوق إن الحريري دفع في طرابلس ثمن تنازلاته بمواقف النائب وليد جنبلاط المتقلبة. والخطير في هذه الاحتفالية أنها تحل غالباً محل تقويم الأداء العونيّ في أحد الاستحقاقات. فبعيد الحراك المدني أخذ الجمهور العوني إلى تظاهرة بعبدا، وبعيد الانتخابات الحزبية عصفت شائعة مماثلة لشائعة اليوم بالحالة العونية، لينشغل الجميع بمقولة أن انتخاب العماد عون رئيساً مسألة وقت فقط. علماً أن التدقيق يبين عدم وجود معطى جديّ واحد في هذا الاتجاه. فما يحصل كل مرة يتكرر هذه المرة: تفترض إحدى المجموعات أن أمانيها معطيات، وتبدأ نشر الأخبار على هذا الأساس. في ظل قدرة رهيبة على تطويع الأحداث بما يتناغم مع مصالحها.

الاحتفالية العونية وشوق العونيين للعودة إلى بعبدا يقابلهما ثبات في الموقف الحريري

فحين تتقدم قوات النظام السوري وحزب الله في إحدى المناطق يضع هؤلاء مسألة انتخاب العماد عون رئيساً على نار حامية باعتبار النصر هناك سيستتبع حتماً بنصر هنا، وحين تتراجع قوات النظام السوري وحزب الله في منطقة أخرى يتحمسون بالطريقة نفسها، باعتبار انتكاسة حزب الله هناك تستوجب رداً معنوياً هنا. وهكذا، مرة سوريا هي البوصلة، ومرة العراق، ومرات اليمن. قيل في دعوة العماد عون إلى عشاء في السفارة السعودية أكثر مما قاله المجنون في ليلى. تنشغل صالونات البلد السياسية أسبوعين كاملين في تحليل خلفيات وتداعيات دعوة العسيري لعون، علماً أن أقل ما يمكن العسيري فعله حين يدعو نحو مئة سياسي وسفير إلى دارته أن يدعو عون أيضاً. هناك من يمضي أشهراً في إقناع الرأي العام بأن هناك فيتو سعودياً يحول دون انتخاب العماد عون رئيساً، ثم يمضي أشهراً أخرى في إقناع الرأي العام غير المبالي بهذا كله، بسقوط الفيتو السعودي. تارة لا يحق للحريري تسمية رئيس الجمهورية، وطوراً ينتظرون الإشارة الحريرية.

تارة تحضر السلة المتكاملة وطوراً تختفي. تارة تحضر أولوية قانون الانتخابات النيابية الجديد، وطوراً يختفي أيضاً. ولا يلحظ هؤلاء في «روحاتهم وجياتهم» سواء تضحيات حزب الله الاستثنائية في سوريا أو الحرب الاقتصادية الضروس عليه، مفترضين أنه سينثر الأرز على الحريري ويبيح له فعل ما يشاء بمجرد أن يوافق دولته على انتخاب العماد عون رئيساً. علماً أن المحيطين بالحريري أجروا أمام هول الاحتفالية العونية في بدايتها اتصالات محلية وإقليمية ودولية لمعرفة ما إذا كان هناك فعلاً شيء من هذا كله وهم لا يعلمون به بعد، قبل أن يتبينوا أن بعض المحللين باتوا يصدقون كذبتهم، فيما يأمل بعض آخر أن ينوم الحريري مغناطيسياً فيصدق ما يسمعه عن فرصة عون الإنقاذية بالنسبة إليه ويهرع لانتخابه رئيساً. واللافت في محيط بيت الوسط أنهم يتحدثون عن عون تماماً كما يتحدث المحيطون بعون عن الحريري، فيقولون إن الانتخابات البلدية عرّت تحالف عون ــ جعجع، مظهرة هزالته الشعبية، ولم يعد أمام الجنرال شيء يعول عليه لضمان مستقبل رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل السياسي سوى تسوية جدية مع تيار المستقبل يتعهد المستقبليون بموجبها بالضغط على النائب ميشال المر والكتائب ورئيس بلدية جبيل زياد حواط ورئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مرتينوس والنواب بطرس حرب وفريد مكاري وهادي حبيش للحفاظ على ما يراه الحريريون أقلية عونية في مناطقهم وحمايتها من القوات. في ظل تأكيد الحريريين أن عودتهم إلى السلطة في أية حكومة مقبلة حتمية بحكم تمثيلهم طائفة كاملة، فيما يخوض العونيون حرباً كل مرة للحصول على حقيبتين وزاريتين، وعليهم بالتالي قلع أشواكهم والوصول ربما إلى السلطة قبل إعطاء دروس لغيرهم في كيفية العودة إلى السلطة.

بناءً على ذلك، يمكن القول إن الاحتفالية العونية وتعبير العونيين عن شوقهم للعودة إلى بعبدا يقابلهما ثبات في الموقف الحريريّ واعتقاد راسخ بعدم وجوب تقديم أية تنازلات إضافية ولا مبالاة، سواء بالعودة أو عدم العودة إلى السرايا الحكومية، ما دامت المصالح الحريرية في السلطة بألف خير. ولا شك بالتالي في أن الرفع الحاصل لمعنويات العونيين سيتبعه انكسار معنويّ جديد، فيما الجمهور المستقبلي لا يبالي بهذا كله. أما السؤال الرئيسي الذي يبقى دون جواب، فيتعلق بدافع بعض العونيين لتسويق هذه الشائعات، وإقدامهم على نشرها، سواء بالتنسيق مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أو من دون علمه، ومن يستفيد حقيقة من «ألعابهم» هذه؟

لا مراجعة لـ «البلدية»!

حلت الاحتفالات العونية بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً قبل آخر الشهر محل التقويم والمحاسبة الجديين لأداء التيار الوطني الحر في الانتخابات البلدية الأخيرة التي خرج العونيون منتصرين منها، فيما حصدت غالبية منسقي التيار في الأقضية والبلدات نتائج مخيبة. فلماذا تربح لائحة التيار كاملة في مدينة جزين مثلاً، فيما ينتظر منسق التيار في جزين خليل حرفوش نتيجة الطعن، عله يعود إلى البلدية؟ وكيف سيستعيد منسق التيار في المتن الشمالي هشام كنج هيبته أمام الفعاليات المتنية والنواب ورؤساء المجالس البلدية بعدما عجز عن الفوز بمقعد في مجلس بلديته؛ علماً أن كنج في موقع حزبيّ يكاد يكون متقدماً على وزراء منطقته والنواب والمرشحين ورؤساء المجالس البلدية، فلماذا يترشح لعضوية مجلس بلديّ؟ وما ينطبق على كنج ينطبق على غالبية أعضاء منسقية المتن الذين ترشحوا في قراهم وخسروا. وما ينطبق على المتن ينطبق بحذافيره على عكار التي خسر فيها كل من يحظون بنعم السلطات العونية العليا وربح من خسروا الانتخابات الحزبية. أما في كسروان، فقد ترشح منسق هيئة ذوق مكايل في التيار على اللائحة التي خاض رئيسها معركة شعواء على رئاسة الاتحاد ضد مرشح التيار الوطني الحر جوان حبيش، فيما استقال أو اعتكف هنا وهناك أكثر من مئة حزبيّ بينهم عشرة على الأقل من الرعيل العونيّ الأول. والأهم من هذا كله هو مساءلة الحليف الجديد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن خلفية وآفاق موقفه في كسروان، بدل بلع السم، مؤكدين أن التحالف شرعي وضروري وغير مؤقت.