IMLebanon

عون يسحب البساط من تحت المستقبل: لا مكان لإلياس هراوي آخر

ضربة سمير جعجع للحريرية السياسية أشد تأثيراً في تيار المستقبل من اغتيال الرئيس رفيق الحريري و7 أيار وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. فأساس نفوذ هذا التيار لم يكن شخص الرئيس رفيق الحريري ولا الأداء الحكومي لسعد الحريري ولا شركات المستقبل الأمنية، بل هيمنته على حصة المسيحيين والسنّة في النظام. جعجع استفاد من تحالفه مع المستقبل عشر سنوات لبناء نفوذ والحصول على كتلة نيابية وازنة قبل الانقلاب عليه ودعوته إلى رفع يده عن القرار المسيحي

واحداً تلو آخر سيتناوبون على الإدلاء بدلوهم. نقولا غصن يليه بطرس حرب ففريد مكاري، ثم رياض رحال وروبير غانم ونبيل دو فريج وعاطف مجدلاني، وطبعاً فؤاد السعد وسيرج طورسركيسيان وهادي حبيش. سيحاضرون في حيثيات التمثيل المسيحي للقول إن ميشال عون وسمير جعجع لا يحتكرانه؛ فهناك مختار يتمتع بحيثية كبيرة في كفرذبيان، وعضو مجلس بلدية في القاع وناشط في فرع لحركة الشبيبة الناصريين في أنطلياس. فؤاد السنيورة يغني وهم يدبكون.

«الفرقة» التي استُعين بها مطلع التسعينيات لملء فراغ الزعامات المسيحية كذّبت كذبة التمثيل المسيحي وصدّقتها. اللقاء الذي لا ينعقد إلا حين يحتاج المستقبل فزّاعة مسيحية سينعقد حتماً في الأيام القليلة المقبلة في دارة بطرس حرب قبل الظهر، ودارة ميشال فرعون بعده. احتكار القوات والعونيين التمثيل المسيحيّ ممنوع ما دام حزب ميشال سليمان موجوداً على وجه البسيطة، وما دام فارس بويز موجوداً في كسروان. ولن يمكن أحداً القفز فوق إلياس المر و»أبو الياس». يصدّق هؤلاء دعاية الوصاية السورية والبروباغندا الحريرية عن تمثيلهم الوازن. ستعود الصبحيات عامرة في الأمانة العامة لـ «طق الحنك» في الأشرفية. وسيتنقل دوري شمعون بين شاشة المستقبل وإذاعة الشرق طوال اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، للقول إن عون وجعجع لا يحتكران التمثيل المسيحي؛ فهناك دوري وهناك كارلوس إده، ولا يمكن تجاوز هامة كهامة سليم بيك كرم. وسينضم إلى حفلة الزجل، بإيعاز سنيوريّ، كل من نعمة افرام وأمين سر حركة التجدد الديمقراطي أنطوان حداد. لتكتمل مع بعض النقابيين والاقتصاديين ورجال الدين والمطارنة البيارتة عدة المواجهة الحريرية الدائمة تمهيداً لقول السنيورة، بثقة، إن عون وجعجع والطاشناق والحزب القومي والنائبين نقولا فتوش وميشال موسى يجمعون 31 نائباً مسيحياً، فيما النواب المسيحيون الذين يفترض أن ينضووا تحت عباءته 32. علماً أن سعي السنيورة للمّ شمل هؤلاء ليس بالمهمة السهلة. فهم يتوزعون كالآتي: 13 «مستقبلياً» بينهم بطرس حرب وروبير غانم. خمسة جنبلاطيين. أربعة مرديين بينهم النائب إميل رحمة. خمسة كتائبيين في ظل شائعات كثيرة عن نية الحريريين تعويض سامي الجميّل عن كل الإهمال السابق. إضافة إلى دوري شمعون ونايلة تويني وميشال المر الذي سيميل ختاماً مع الكفة الراجحة، وميشال فرعون الذي يحسب بدقة حساب تحالف القوات والعونيين ضده في الأشرفية. علماً أن العونيين والطاشناق مثلوا أخيراً خطراً انتخابياً عليه، فما حاله إذا تحالف عون والطاشناق وجعجع ونجح الأخير في استقطاب النائب نديم الجميّل؟

حين استنفر الحريري لإقرار العفو لإخراج جعجع من السجن الذي أدخله والده إليه، وحين كان يهديه المقاعد النيابية في دائرة تلو أخرى، لم يكن يعتقد أن هذا اليوم آتٍ. أداء رئيس القوات، سواء في إحباط إقرار القانون الأرثوذكسي أو في مواجهة العماد عون ومحاصرته، كان تطمينياً بامتياز. لم يتخيل الحريريون أن قائد الانعطافة في اتجاه القرداحة مطلع التسعينيات قادر على الانعطاف مجدداً 180 درجة. تجاهلوا مراعاته العونيين في ورقة النيات في كثير من الاتهامات المبطنة لتيار المستقبل بالفساد والاستئثار بالسلطة. وضعوا اختلافه معهم حول قانون استعادة الجنسية في سياق سعيه لتسجيل النقاط مسيحياً. وحتى حين كان السنيورة يشكو هذه الثنائية غير المحسوبة في زعامة 14 آذار، لم تلقَ شكواه أي صدى. علماً أن السنيورة كان المعارض الرئيسي لمسايرة جعجع في اعتباره المرشح الوحيد لقوى 14 آذار إلى الانتخابات الرئاسية، وهو كان يصر منذ البداية على طرح اسم قادر على الوصول بدل التلطي خلف الترشيح العبثي لرئيس القوات. وما الكلام الأخير للنائب أحمد فتفت عن خلاف استراتيجي بين المستقبل وجعجع إلا جزء يسير ومهذب مما يقوله الحريريون هذه الأيام.

بمعزل عن مدى تأثير خطوة جعجع في الاستحقاق الرئاسي، يرفض الحريريون فائض القوة المسيحية التي وفّرتها هذه الخطوة. ويرفضون أن تعتقد معراب، ولو بينها وبين نفسها، أنها قادرة على قلب الطاولة وإحراج تيار المستقبل. ويرفضون كذلك على نحو مَرَضي التفكير في ما يمكن أن ينتجه هذا التلاقي من تغيير في موازين القوى، خصوصاً أن مفهوم المستقبل للطائف يقوم على أساس احتكاره تمثيل الطائفة السنية وجزء كبير من الطائفة المسيحية. لكن ما يجري منذ بضع سنوات، انتهاءً بمشهد معراب، يشير إلى كسر احتكار المستقبل تمثيل الطائفة السنية وسحب البساط المسيحيّ من تحت أقدامهم، على نحو يتيح لخصومه إبقاء الطائف وتغيير توازناته. وفي ظل استصعاب الحريريين تصديق استحواذ النائب إبراهيم كنعان على عقل جعجع أو قيام ملحم رياشي بتنويمه مغناطيسياً، يحتار هؤلاء في وضع الخطوة الجعجعية في خانة خلط الولايات المتحدة للأوراق في المنطقة أو إعادة تموضعه من تلقاء ذاته بعد سأمه من ترك الحريري حلفاءه في منتصف الطريق. ولا شك أن الحريريين، ومن خلفهم الاستخبارات السعودية، يتعاطون بجدية هذه المرة مع التسريبات المتزايدة عن نية جعجع الوصول إلى الضاحية من طريق الرابية، وبناء علاقة مباشرة وقوية مع حزب الله. في ظل تأكيد المطلعين على تاريخ جعجع الأمني استسهاله الانتقال ــــ على غرار زميله إيلي حبيقة ــــ من جهة إلى أخرى. وبجدية أيضاً، يتعامل الحريريون هذه المرة مع التسريبات الكنعانية عن تقدم العونيين والقوات في مناقشة قانون الانتخابات وتحضيرهم تحالفاً انتخابياً يفرض تنظيم الانتخابات في موعدها ويتيح لهما الفوز بأكثر من خمسين نائباً مسيحياً، مقابل 25 للثنائية الشيعية، و25 لتيار المستقبل في أفضل الأحوال، و28 للنائب وليد جنبلاط وكل القوى الأخرى، مع ما يستتبع ذلك من تمثيل وزاري وإداري وغيره.

أمام هذا كله، يقع إيقاف التقدم العونيّ نحو بعبدا على عاتق رجلين فقط: السنيورة أولاً وسليمان فرنجية ثانياً. فالرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط يحسبان حساب الترحيب المسيحي بتلاقي عون وجعجع والتأييد الشعبي لحق الجنرال ببلوغ الرئاسة، ويعلمان أن تنطّحهما للرد سينتج ردة فعل تسونامية تقلب الأوضاع بدراماتيكية أكبر. أما السنيورة، فلم يبالِ سابقاً بكل النقمة الشيعية عليه ووضع الطائفة الشيعية ونصف المسيحيين خلفه عامين كاملين. وهو يعلم ويتصرف على أساس أن نفوذه السياسي يقوم على مصادرة حقوق الآخرين لا الاعتراف بها. أما فرنجية، فسيدفع وحده تبعات الوقوف في وجه المزاج المسيحي العام وكسر عون وجعجع مجتمعين أطول فترة ممكنة. علماً أن فرنجية عجز عن إثبات زعامته مسيحياً، خارج جدران زغرتا، طوال خمسة عشر عاماً من الوصاية السورية في ظل نفي عون وسجن جعجع، فما حاله اليوم في ظل وجودهما واتفاقهما؟ ولا شك هنا أن جنبلاط وبري سيبتعدان عن الأنظار ليتقدم فرنجية المواجهة وخلفه السنيورة، كما كانا يفعلان بين عامي 1990 و2005. في وقت يعوّل فيه العونيون على مبادرة فرنجية سريعاً إلى إحباط المحاولة الحريرية لإعادة عقارب الساعة ربع قرن إلى الوراء، مستغلين طموحه الرئاسي. أما في حال تجاهُل فرنجية حاجة الحريري إلى إلياس هراوي آخر، فإن التعويل العونيّ يتركز على كلام واضح وصريح من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يطلب بموجبه من فرنجية الانسحاب لمصلحة عون. وخلافاً للتحليل المتداول عن تبني جعجع ترشيح عون لقطع الطريق على فرنجية، يقول العونيون إن الحريري تيقن من نية جعجع ترشيح عون، فسارع إلى ترشيح فرنجية لخلط الأوراق. في ظل تأكيد العونيين أن المناورة الحريرية سمحت لفرنجية بتعزيز مكانته السياسية طبعاً، وهو سيجد العماد عون في بنشعي إن قرر وضع حد للاستغلال الحريريّ له ودخول نادي صناع الرؤساء، وستلاقي خطوته ترحيباً أكبر مما لاقته خطوة جعجع لمعرفة الرأي العام أن حظوظ جعجع بالوصول إلى بعبدا كانت صفراً، فيما فرنجية كان الأقرب إلى بعبدا. ويرجح المتابعون الجديون في هذا السياق أن يتراجع فرنجية ويتقوقع نواب المستقبل في شاليهات بعيدة كما فعلوا غداة هروبهم من منازلهم إثر النقمة الشعبية عليهم لموافقتهم على الطائف، ليبقى السنيورة وتحريضه المذهبي وحدهما. ولا يعول عندها إلا على خطاباته بشأن ميثاقية اجتماع مجلس النواب لاختيار رئيس جديد للجمهورية في ظل مقاطعة أحد المكوّنات الطائفية للجلسة.