عون تجاهل طرح رؤيته وبرنامجه للحكم واستبدلها بالتركيز على زعامته والمحافظة على «حقوق المسيحيِّين»!
محاولة متجدّدة لشدّ عصب المسيحيين وللتغطية على إخفاقات وفضائح وزراء التيار في الحكومات المتعاقبة
كل الوعود التي قطعها باسيل بالنسبة لزيادة التغذية بالتيار الكهربائي لم تتحقق بل عادت الأمور إلى الوراء ولم يعرف اللبنانيون إلى جيوب من ذهبت المبالغ؟!
يطرح زعيم «التيار العوني» النائب ميشال عون نفسه مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية دون سواه من الزعماء والشخصيات المارونية تحت شعارين أساسيين، الأول كونه أكبر رئيس كتلة نيابية مسيحية في المجلس ويمثل الشريحة الأكبر من التمثيل الشعبي المسيحي حسب ادعائه، والثاني باعتباره الزعيم المسيحي الذي يحافظ على «حقوق المسيحيين» دون سواه من سائر الزعماء الآخرين انطلاقاً من كونه «الزعيم الأقوى» استناداً للمواقف والتصريحات التي يدلي بها تكراراً ومراراً في مناسبات متعددة هو ومجموعة من المقربين والمحظيين في بلاط الرابية، في حين درجت العادة أن يطرح أي مرشّح للرئاسة أو ما شابه من مراكز سلطوية برنامجاً يترشح على أساسه ويتضمن رؤية ومبادئ ووعوداً أو برنامج عمل يأخذ بعين الاعتبار أولويات وحاجات وتطلعات المواطنين للمرحلة المقبلة أو يذكّر على الأقل بإنجازاته التي حققها طوال مسيرته السلطوية إن كان إبّان تسلمه مهمات رئاسة الحكومة المؤقتة بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق أمين الجميّل في نهاية ثمانينات القرن الماضي وحتى مغادرته لبنان إلى فرنسا ومن ثمّ عودته بعد جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في ربيع العام 2005 وحتى يومنا هذا.
أما لماذا استبدل النائب ميشال عون طرح أي رؤية أو برنامج مستقبلي للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى أو التذكير بمحطات ولو متواضعة من مسيرته السلطوية والسياسية بالشعارين الجديدين المستحدثين؟ أولاً، لأنه يبدو أنه لا يملك رؤية لبرنامج حكم أو لأنه لا يستطيع الترويج لمثل هذا البرنامج وتسويقه لدى الرأي العام وكونه محدود الرؤية شخصياً وسريع الانفعال والغضب، وثانياً أنه لا يوجد في سجل مسيرته أي محطة مضيئة أو إنجاز يفتخر ويعتز به للترشح على أساسه، بل ويكاد يقتصر السجل السياسي للعماد عون على محطات سوداوية وسلسلة حروب ومآسي ودمار وإخفاقات وصدامات سياسية وتكريس الفراغ الرئاسي لأول مرّة لدى توليه رئاسة الحكومة المؤقتة وتكراره حالياً بالتواطؤ المكشوف مع «حزب الله» وإيران على حساب الشعب اللبناني ومصالحه ومستقبله، في حين أن التركيز على شعاري أكبر زعيم كتلة مسيحية و«حقوق المسيحيين» قد يعطيان مردوداً سياسياً وشعبياً أكبر بكثير من الشعارات والبرامج التقليدية والانجازات غير الموجودة اساساً، لأنها حسب تجارب السنوات الماضية حركا مشاعر فئات واسعة من المؤيدين ومن خلالهما استطاع زعيم «التيار العوني» الفوز بأكبر كتلة نيابية مسيحية في المجلس النيابي ولو كان ذلك بدعم سياسي وشعبي ومالي وترهيبي من قبل حليفه الأساس «حزب الله»كما هو معروف بأكثر من منطقة، كما استطاع في أكثر من مناسبة المحافظة على الحد الأدنى المتبقي من هذا الالتفاف الشعبي المسيحي من حوله، وهو يسعى من خلال التركيز على هذين الشعارين حالياً الابقاء على العصب المسيحي الشعبي مشدوداً حوله في هذه المرحلة بالرغم من تغيّر الظروف السابقة واستحالة تكرار حالة التجييش نفسها لاعتبارات عديدة، وبسبب الاخفاقات في ممارسة السلطة من قبل ممثلي «التيار الوطني الحر» في الحكومات المتعاقبة منذ العام 2009 وحتى اليوم، وكلها وقائع وحصيلة غير مشجعة للتباهي فيها امام الرأي العام إن كان من المؤيدين أو الخصوم على حدٍ سواء.
والاهم في هذين الشعارين، ليس شد العصب المسيحي فقط، بل التغطية التامة على كل فضائح وارتكابات وزراء «التيار الوطني الحر» في الحكومات السابقة والحالية وعدم تلبية الحد الأدنى من الشعارات والوعود التي طرحها التيار لدى تسلمه السلطة في أي من الوزارات أو الإدارات التي تولى مسؤوليتها، إن كان في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي السابقة التي كان ممثلاً فيها بأحدى عشر وزيراً وبحقائب مهمة وخدماتية أو في الحكومة الحالية وغيرها، لأن حجم الفضائح وسرقة المال العام والهدر كان أكبر من ان يطمس أو يتم تجاوزه من خلال طرح البرامج التقليدية أو الرؤى المستقبلية للحكم كما درجت عليه الحال في مثل هذه المناسبات.
ويلاحظ في هذا الخصوم التزام «التيار العوني» قيادة ووزراء ونواباً وغيرهم الصمت المطبق تجاه مأساة انقطاع التيار الكهربائي عن كافة الأراضي اللبنانية خلال الفترة الماضية وقد عانى اللبنانيون بكافة فئاتهم وتوجهاتهم معاناة صعبة للغاية جرّاء ذلك، وكثرت التساؤلات والاستفسارات عن مسؤولية وزير الخارجية الحالي وزير الطاقة السابق جبران باسيل الذي استحصل على أموال طائلة تجاوزت المليار وثلاثماية مليون دولار أميركي من الخزينة اللبنانية لتطوير وتنمية قطاع الكهرباء في كل لبنان في عهد حكومة ميقاتي ولكن كل الوعود التي قطعها باسيل بالنسبة لزيادة التغذية بالتيار الكهربائي وفي أكثر من مؤتمر صحافي عقده لهذه الغاية لم تتحقق وعادت الأمور إلى الوراء ولم يعرف اللبنانيون إلى جيوب من ذهبت هذه المبالغ الطائلة في أكبر فضيحة مجلجلة يرتكبها وزير من التيار الوطني الحر وهو صهر رئيس التيار حالياً.
ويتساءل كثيرون إذا كانت ممارسات واداء وزراء «التيار الوطني الحر» وخصوصاً وزير الكهرباء السابق جبران باسيل الذي رفض الحصول على المبالغ المالية المطلوبة لتطوير قطاع الكهرباء من خلال الصناديق العربية والدولية لتفادي الرقابة على الصرف وتسهيل هدر المال العام وسرقته من القيمين عليه بمعزل عن أي رقابة، فكيف هي الحال إذا وصل زعيم «التيار العوني» النائب ميشال عون إلى سدة رئاسة الجمهورية، فعندها سينتقل اللبنانيون من عصر الظلمة الذي حل بهم جرّاء الاداء السيىء والمتردي للوزير باسيل في إدارة قطاع الكهرباء إلى عصر الظلام السلطوي الشامل.