صدق الوزير نهاد المشنوق عندما قال ان الانتخابات البلدية المقبلة هي اهم انتخابات تجري منذ عقود لانها ستكسر حاجز التمديد وستشكل المتنفس الوحيد المتاح لاعادة احياء الديمقراطية، اقله هكذا يراه فريق الثنائية المسيحية الراغب باسقاط تمريره على النيابية عله ينجح في تحقيق خرق قد يقود الى اخراج عقدة الرئاسة من عنق الزجاجة الاقليمي، في زمن الاستحقاق البلدي والاختياري، وعطلته السياسية الممتدة على مساحة الانتخابات، وسط انشغال المواطنين في زواريب البلديات، واستنفار الحكومة لوجستيا وامنيا بوزارة داخليتها التي جهزت اكثر من عشرين الف عنصر عسكري وامني لكل مرحلة انتخابية.
فعلى وقع تراجع الاهتمام بالملفات الداخلية على اختلافها، بما فيها جلسة الحكومة على وقع مساعي التفاهم المستحيل على قانون للانتخابات النيابية، يستعد اللبنانيون «للويك اند» الانتخابي الاول، حيث بدا واضحا طيف الانتخابات الرئاسية في خلفية الاستحقاق البلدي والاختياري، في ظل الإشارات الواضحة لبعض الاطراف في استخدام نتائج «البلديات» في عملية تحديد الأحجام الداخلية للجهات المتحكمة بالحل والربط بالموضوع الرئاسي الذي أصبح متّصلاً بالصراع الاقليمي الكبير في المنطقة، حيث تشير اوساط سياسية الى اهمية معركة بيروت التي في حال نجاح لائحة البيارتة «بنصفيها» ستساعد الفريق الازرق على ترجمة رؤية الحريري الانفتاحية المعتدلة للاسلام السني اللبناني في زمن التطرّف الذي تفجر حروبا وتطهيرا للاقليات الدينية في المنطقة، من جهة، وفي توجيه رسالة بأن الخيار الرئاسي للحريري القائم على تأييد ترشيح النائب سليمان فرنجية لا خلفيات له تتّصل بضرب الشراكة المسيحية ـ الاسلامية. يضاف الى ذلك ان نجاح الثلاثي المستقبل – العوني – القواتي في «السير بـ «البيارتة» سيشكّل أوّل إشارة عمليّة الى ان التفاهم المسيحي بدأ يعطي ثماره لجهة الربط وإن غير المباشر بين الفريق العوني و«المستقبل» عبر «جسر معراب» من خلال تحالفه الذي استعاد زخمه مع بيت الوسط.
عليه يبدو ان عشاء قريطم فعل فعله في الثنائي القواتي ـ العوني بحسب مصادرمسيحية، فخلاصة الرئاسة المسدودة دفعت بجعجع وعون، اذا ما استندنا الى حركة الساعات الاربع والعشرين الماضية، الى تفعيل الاتصالات بين الرابية ومعراب على خطي البلديات وقانون الانتخاب، حيث نجحت القوات في الملف الاول بالوفاء بالتزامها بانجاح التوافق الحزبي البيروتي وتعطيل صاعق التفجير الاختياري، اما الثاني فقد قاد نائب رئيس حزب القوات النائب جورج عدوان ،خبير القوانين الانتخابية الى الرابية، للبحث في صيغة موحدة بين الفريقين يذهبان بها الى الجلسة المقبلة قادرة على تامين الاكثرية المطلوبة لاقرارها ميثاقيا وسياسيا.
واذا كان ثمة من يهمس ان رئيس حزب التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل قد سمع من «الحكيم» خلال زيارته الاخيرة الى معراب، دعوة للسير بقانون الستين في حال الفشل بتمرير قانون جديد يلبي الطموحات المسيحية، استنادا الى ان التحالف الجديد قادر على قلب المعطيات حتى في ظل «الستين»، فان ثمة من يجاهر بان القوات اللبنانية تعمل على تطوير «القانون الثلاثي» ليحصل على تأييد العماد عون ويسقط تحفظ الفريق الشيعي، عنوانه العريض المختلط.
مساع قد لا يكتب لها النجاح، اذ تعتبر المصادر المسيحية ان اعادة احياء «التيار الارثوذكسي»، حشرت حلفاءه الذين يفضلون النسبية الكاملة مع العلم ان شكل القانون لا يؤثر كثيرا في حساباتهما النيابية لأنهما يمسكان بقوة بناصية الشارع الشيعي، لافتة الى ان شظايا موقف «الوطني الحر» طاولت كذلك حليفه الجديد، الحاسم في تأكيده على تمسكه بالقانون المختلط، علما ان الحريري وجعجع كانا اعلنا خلال لقائهما الاخير، السير بالمختلط المستند الى معادلة «60 نسبي – 68 أكثري». من هنا ترى المصادر ان رفع السقف البرتقالي قد يكون رسالة استباقية لما قد يقود اليه تقارب معراب – بيت الوسط المستجد، علما ان الارثوذكسي محال أساساً على الهيئة العامة مع الاقتراح المقدم من النائب نبيل دي فريج بشأن إضافة 6 نواب إلى البرلمان (سني وشيعي ودرزي وكاثوليكي
و(2 سريان) وبالتالي لم يعد للجان أي عمل بهذا الموضوع.
وفي وقت ستساهم اجتماعات اللجنة المقبلة، في تكوين فكرة اكثر وضوحا عن مصير النقاشات، اعتبرت اوساط نيابية متابعة أن ثمة شبه استحالة في التوصل الى اتفاق حول صيغة معينة وسط تباين حسابات ومصالح كل فريق سياسي، مشيرة الى ان اثارة القضية في هذا الوقت بالذات، وفي ظل غياب رئيس الجمهورية، لا تعدو كونها محاولة لالهاء الرأي العام كما الطبقة السياسية بملف شائك ومعقّد يملأ الوقت الضائع الى حين نضوج طبخة الحلّ الرئاسي، رغم تقدم «المستقبل» خطوة كبيرة بالانتقال من النظام الأكثري الكلّي إلى تأييد النظام المختلط بين الأكثري والنسبي، بعد ان كان ربط الموضوع بمسألة السلاح. وتخوفت المصادر من ان يكون خلف عملية اعادة إحياء الارثوذكسي، قرار مبطن بمتابعة المعركة في هذا القانون وتعطيل عمل اللجان المشتركة، ما يؤدي الى انتهاء عقد الدورة العادية دون تحقيق أي اختراق في قانون الانتخاب، ودون عقد جلسة تشريعية.
اذا كانت مجريات الاجتماع الاول للجان النيابية المشتركة أوحت بأن قطار البحث الجدي عن قانون جديد للانتخاب انطلق، لا سيما بعد حصر الصيغ التي ستبحث بأربع، فان الاطراف السياسية نفسها التي حضرت الى القاعة العامة في مجلس النواب أمس بدت غير مؤمنة بجدوى الاجتماعات وغير مقتنعة بامكانية وصول المباحثات الى خواتيم سعيدة، حيث لم يتردد احد النواب في وصف ما يجري بـ«طبخة بحص»، وسط التساؤلات عن الازدواجية الحريرية بقبول المناصفة في بلدية بيروت ورفضها على صعيد الوطن.