هبّت العاصفة السعودية في لبنان منذ عودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت. وإذا كانت عبارة «مستقرضات الروم» التي تستخدم عادة لوصف الأمطار التي تهطل بعد الأعياد، فإن «مستقرضات» المملكة أصابت حليفها الأول أكثر مِن كل مَن كانت ربما تستهدفهم. فالضربات السياسية التي أصابت زعيم «المستقبل» قد تكون أكثر من قدرته على الاحتمال. فالحريري اعتقد أن بعودته الى لبنان وفق التوقيت الذي قرّره، سيقلب الموازين لمصلحته. وأن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله لن يصدّق أن «الابن الضال» قد عاد وسيسير معه في كل خياراته، لكنه تفاجأ بسلسلة مواقف من الخصوم والحلفاء معاً لم يكن يحسب لها حساباً.
الصدمة الأولى للحريري أتته من سليمان فرنجية نفسه. فالزعيم الزغرتاوي أكد للحريري في السر والعلن أنه لن ينزل الى جلسة انتخاب الرئيس من دون «التشاور مع الحلفاء»، وبالتالي هو ليس مستعداً تحت أي ظرف ان يتخلى عن حلفه الأبدي مع «حزب الله»، حتى لو كان على حساب «تفويت فرصة دعم الحريري له».
الصدمة الثانية تكفلت بها عين التينة. نبيه بري قالها أيضاً للحريري بصراحة مطلقة: «قد يكون بين الحركة والحزب بعض الاختلاف في وجهات النظر في الملف الرئاسي، ولكن ليس لدرجة أن أتمرّد على خيار حزب الله».
حتى وليد جنبلاط صدم الحريري بموقفه القائل بأنه «لا يمكنك أن تعادي الجميع»، مستخدماً مرشحه هنري حلو «متراساً» أمام جميع الكتل كي يحمي نفسه من الإحراج تجاه هذا الفريق أو ذاك عبر القول «انا لدي مرشحي». ولو كان هذا المرشح نفسه يساير المتهكمين على ترشحه في اعتراف ضمني بأن طرح ترشحه لا يعدو كونه تمويهاً في اتهام البعض لجنبلاط بـ «الاستخفاف الفاضح والمزمن بدور الموارنة ومواقعهم».
يدرك الحريري كل هذه المعطيات، ولكنه يقرر «ترويض» الصدمات. وفي أوقات العمل خارج دوام تنظيم مسلسل الاعتذار من المملكة، يركز جهوده على حشد أكبر عدد من النواب لجلسة 2 آذار. ليس مهتماً بتأمين النصاب، ولكن للقول من بين الحشد النيابي الذي سيتمكّن من جمعه: «أنا رئيس الحكومة أنا الأقوى لبنانياً.. أياً كان رئيس الجمهورية».
غير ذلك لا يملك الحريري شيئاً. حتى أن بعض المصادر المتابعة تؤكد انه بعد جلسة 2 آذار سيعود الحريري أدراجه الى منفاه الاختياري. فإذا صحّت المعلومات التي تقول بأن زعيم «المستقبل» محسوب سعودياً على ولي ولي العهد محمد بن سلمان، فالأخير على ما يبدو تخلى عنه بمجرد سحب الهبة المليارية للجيش اللبناني. وحتى لو نجح في الوصول الى المليون توقيع على وثيقة الإجماع العربي فيبقى هناك 3 ملايين ونصف من اللبنانيين من غير الموقعين.
«لأ ما خلصت الحكاية» هو شعار «المستقبل»، والذي قرّر مناصرو أشرف ريفي أن يحتكروه لوزير العدل المستقيل في اليافطات التي تجتاح طرقات الساحل من بيروت إلى طرابلس. ولكن يبدو أنه بعد 2 آذار ستكون هناك، وفق مصادر مطلعة، حكاية جديدة حيث من المتوقع أن ينتهي مفعول اتفاق الحريري – فرنجية فتعود الرئاسة إلى الصفر، أي إلى «بيت اليك» حيث يرابض العماد ميشال عون. تعبر هذه المصادر عن إحساسها الذي تستشفه من مجموعة من المعطيات المحلية والدولية لديها فتقول: «الغرب يريد رئيس جمهورية ولن يبقى في الميدان إلا حديدان، أي عون». ومن هنا يمكن فهم السلوك الرئاسي لسمير جعجع الذي يقال إن دعم المملكة له يعود تحديداً الى ولي العهد محمد بن نايف الذي، وفق المصادر نفسها، لا مشكلة لديه مع عون رئيساً.
في فلك هذا المشهد تدور المعطيات في الرابية. يتلاقى زوار «الجنرال» على وصف الرجل في هذه الأيام بـ «المتفائل والمطمئن». يُعلّق هؤلاء على فرضية أن الاستحقاق الرئاسي مرتبط بمسار الأمور في الجبهة الشمالية السورية وبالملف السوري بشكل عام، بالقول: «العماد عون متحالف مع هذا المحور، ونجاح الأول من نجاح الثاني. وإذا وصل الى الرئاسة فلا يريد أن يكون هناك اي مكون ضده بل يريد ان يصل برضى جميع اللبنانيين». وإذا لم يحصل ذلك، فيصار، وفق هؤلاء، الى انتخابات نيابية وفق القانون الحالي ومن بعدها انتخابات رئاسية، في ظل التحالف العوني القواتي حيث سيتموضع المستقلون في غير أماكنهم اليوم وتتغير الخريطة برمّتها.