هل سيفي الرئيس المكلّف سعد الحريري هذه المرّة بالالتزام العلني الذي قطعه فيحسم أمر الحكومة هذا الاسبوع؟ أم انّه سيواصل لعبة الكر والفر؟ فإذا كان الرئيس المكلّف قد اعتاد على ان يمدّد لنفسه المهل والفرص على امتداد ثمانية اشهر من التكليف، إلاّ أنّ صدقيته لم تعد تتحمّل تعريضها لمزيد من الاختبارات المتعثرة، إضافة الى أنّ الرئيس ميشال عون و«التيّار الوطني الحرّ» وصلا الى مرحلة متقدّمة من الضيق.
بهذا المعنى، بات الحريري معنياً بأن «يبق» الحكومة وإلّا «البحصة» إذا تعذّر عليه إتمام التأليف خلال الايام القليلة المقبلة، لأنّ استمرار التسلّح بأنّ الدستور لا يُلزمه بمهلة زمنية محدّدة، أصبح غير كافٍ لتبرئة ذمّته ولحمايته من تداعيات التأخير في التأليف، وسط تصاعد الضغوط الاقتصادية والاجتماعية، مترافقة مع تطورات اقليمية ودولية محفوفة بالمخاطر.
ويبدو انّ الاسبوع الحالي سيكون مفصلياً ايضاً بالنسبة الى الوزير جبران باسيل، الذي يعتبر أنّه فعل كل ما يُمكن فعله لتسهيل ولادة الحكومة لجهة تقديم التنازلات والتسهيلات، وابتكار الافكار والتسويات، من دون ان يلقى التجاوب المطلوب من المعنيين بالعقدة السنّية، وتحديداً الحريري و«اللقاء التشاوري»، وبالتالي فهو قد يتخذ موقفاً حاداً، وصولاً الى التلويح بسحب مبادرة تبادل الوزيرين (المسيحي – السنّي)، إذا استمر الدوران في الحلقة المُفرغة، على ما يؤكّد القريبون منه.
وفي انتظار تبيان ما إذا كان الحريري سيعود من باريس بـ»سترات نجاة»، بعد المشاورات التي اجراها هناك مع باسيل ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، يشير قريبون من عون وباسيل، الى انّ الترويج أنّ المشكلة والحل يكمنان لديهما في ما يخص العقدة السنّية إنما هو مخالف للواقع ومنافٍ للحقيقة.
ويرى أحد المحيطين بقيادة «التيار»، انّ الطرف المُفترض أن يكون معنياً قبل غيره بإبداء المرونة، يتمثل بالدرجة الاولى في «الثنائي السنّي» المكوّن من الحريري و«التشاوري» اللذين، وعلى رغم من خلافهما السياسي العميق، التقيا عند إظهار مقدار مرتفع من السلبية في مقاربة المعالجات التي اقترحها باسيل لتلك العقدة، مع فارق في الاسلوب والتكتيك، إذ انّ الرئيس المكلّف اعتمد لفترة طويلة استراتيجية الصمت وعدم الاكتراث، تاركاً للآخرين أن يحلّوا الأزمة بالنيابة عنه وعلى قياسه، فيما ذهب بعض اعضاء «التشاوري» الى التصعيد الزائد والهجوم على باسيل، لكن النتيجة واحدة في الحالتين وهي إضاعة الوقت وعدم تأليف الحكومة.
ووفق الرواية البرتقالية، تطور موقف عون وباسيل أخيراً حيال تموضع الوزير السنّي الذي سيتم اختياره من بين ترشيحات «اللقاء التشاوري»، فوافقا على عدم انضمامه الى تكتل «لبنان القوي»، بحيث لا يكون جزءاً منه ولا يحضر اجتماعات «التكتل» في سنتر ميرنا الشالوحي، إنما على ان يبقى متقاطعاً ومتناغماً مع رئيس الجمهورية الذي يُراد اقتطاع المِقعَد من حصته، بناءً على صيغة تعاون معينة.
ولكن، لماذا لا يزال عون يرفض أن يُمنح «التشاوري» وزيراً صافياً، يكون ممثلاً حصرياً للنواب السنّة الستة المستقلين، علماً انّ هذه المجموعة تتفق في الخيارات الاستراتيجية مع رئيس الجمهورية؟
يشرح أحد المطلعين خفايا موقف عون كالآتي:
«انّ عون الذي سبق له ان وافق على التنازل للحريري عن وزير مسيحي في مقابل ضم مقعد سنّي الى كتلته، لا يتحمّل ان يمنح هذا المقعد بكامله الى «اللقاء التشاوري»، لأنّه بذلك يكون قد خسر مرتين:
مرة عندما تخلّى عن وزير مسيحي للرئيس المكلّف في اطار المبادلة، ومرة أخرى عندما جيّر الوزير السنّي الى «التشاوري» في اطار التسوية المفترضة، علماً أنّ الرئيس المكلّف هو المُطالب أصلاً بمعالجة هذه المسألة، إلاّ انّه رفض بنحو قاطع مبدأ البحث في امكان التنازل عن مقعد سنّي من حصّته لتمثيل النواب الستة المستقلين في الحكومة. فهل المطلوب «معاقبة» رئيس الجمهورية لأنّه تطوع للمساهمة في تسديد كلفة الحل لمشكلة هي في الأساس سنّية – سنّية، ولا يتحمّل مسؤوليتها؟».
والخطورة في دعوة عون الى التضحية بمقعد سنّي كامل من حصّته تكمن- وفق المصدر القريب منه – في انّها تكرّس ضُمناً نوعاً من خلل وطني وطائفي، من شأنه ان يمهّد لتكريس عِرفٍ غير سوي، على مستوى التوازنات الداخلية. ذلك أنّ أي رئيس مكلّف يجد نفسه في المستقبل محشوراً او عالقاً في مأزق، قد يطلب من رئيس الجمهورية ان يمثل المعارضة السنّية من كيسه وعلى حسابه، بينما ينال هو مقعداً مسيحياً صافياً، وفق السابقة المراد فرضها على عون.
ويلفت المصدر الى انّ قبول عون بما يطرحه «اللقاء التشاوري» سيعني، على مستوى الانعكاسات الطويلة الأمد، أنّ شيئاً لن يمنع الحريري أو غيره، كلما أصيب بانتكاسة في الانتخابات النيابية، ان يطلب تعويض خسارته من «جيب» رئيس الجمهورية، على قاعدة: أعطني وزيراً مسيحياً مضموناً وأنت تدبّر أمر تمثيل خصومي من النواب السنّة..
واستناداً الى هذه المقاربة، يتحسس عون حيال التضحية بمقعد سنّي قلباً وقالباً، حتى ولو كان سيذهب الى حليف، منطلقاً من أن مفاعيل ما يُطلب منه تتجاوز الازمة الحالية حصراً. إذ أنّ هذه التضحية قد تصبح «أداة قياس» في التعاطي مع أي أزمة مشابهة مستقبلاً، الأمر الذي ينطوي على جانب كبير من الخطورة في نظام يقوم على توازنات دقيقة وحصص مدروسة، حسب ما يعتقد المؤيّدون لموقف رئيس الجمهورية.
«من هنا، يمكن فهم السبب الذي يدفع رئيس الجمهورية الى تحمّل خسارة أغلى ما عنده وهو الوقت. المسألة لا تتعلق بمقعد بالزائد او بالناقص ولا تُعالج على اساس «امسحوها بذقني»، وانما هي تتصل بتركيبة مرهفة يتحمّل مسؤولية عدم الإخلال بها». يؤكّد أنصار عون.