بعد اتفاق العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، بدأت مرحلة جديدة من حصار الطرفين. لكن الحصار الذي يطوّق عون بات ثقيلاً بعدما ازدادت التحديات الداخلية والاقليمية
ليس سهلاً ما يعيشه رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون في هذه المرحلة الحرجة، بعدما بات يواجه كمية من الاستحقاقات والمشكلات والعلاقات الخارجية والداخلية المتوترة، حتى باتت علاقته مع القوات اللبنانية المكان الوحيد الذي يطمئن اليه ويحمي ظهره به.
أتى الكلام المباشر الذي قاله رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية على طاولة الحوار، أول من أمس، ليعكس حقيقة الحالة التي كانت أساساً موجودة بين عون والتيار الوطني الحر من جهة وفرنجية وتيار المردة من جهة أخرى، لكنها بقيت ناراً تحت الرماد، حتى كشف حقيقتها تفاهما باريس ومعراب. لكن ما قاله فرنجية أخيراً أظهر حجم الخلاف بين الطرفين، ليس على رئاسة الجمهورية فحسب، بل أيضاً على مجموعة من الملفات الداخلية والافكار والطروحات التي تفصل بين مشروعي عون وفرنجية في رؤية كل منهما للحكم والتعاطي مع القوى السياسية وحجم كل فريق منهما على الارض.
ولتوقيت كلام فرنجية أهمية لكونه يضيف إلى الحملة التصاعدية على عون، إن في ملف رئاسة الجمهورية أو في مواقف وزير الخارجية جبران باسيل عربياً ومحلياً، ثقلاً إضافياً، ويزيد من حجم الملفات الشائكة التي يواجهها عون منذ أشهر طويلة، ومنها أيضاً حجم المشكلات الداخلية التي يعانيها التيار الوطني الحر، والتي لم تعد تنفع معها التحذيرات «الرسمية» لقيادة التيار بمنع كشف أسرار البيت العوني.
باتت علاقة عون بالقوات اللبنانية المكان الوحيد الذي يطمئن اليه ويحمي ظهره به
حدد عون منذ ما قبل الشغور الرئاسي هدفاً واحداً هو رئاسة الجمهورية، وتحت هذا العنوان اضطر الى مسايرة أفرقاء والتخلي عن آخرين، من دون أن يتخلى عن قضايا اعتبرها أساسية، هي تشريع الضرورة والتعيينات الأمنية ودور الوزراء المسيحيين في الحكومة وحلول جميع الوزراء محل رئيس الجمهورية، إضافة الى المطالبة بإجراء الانتخابات النيابية والبلدية. ولا شك في أن عون، أخطأ أو أصاب، قوبل بحملة عنيفة في كافة هذه المجالات التي خاضها، الى أن تمكن بفعل تنسيق جهوده مع القوات اللبنانية في تشريع الضرورة من أن يفرض وإياها إيقاعاً جديداً على مجلس النواب.
في التعيينات الأمنية، عطّل جنرال الرابية الحكومة رفضاً للتمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، ومطالبة بملء الشغور في المجلس العسكري. في الشكل يمكن القول إن عون لم يحقق أي مكسب في الاشهر التي مضت في ملف التعيينات الامنية؛ فقائد الجيش بقي في منصبه، وهو وإن تمكن من فرض اسمي ضابطين في المجلس العسكري، بتزكية من المقرّبين منه، إلا أنه لم يعطّل نصاب المجلس عند تعيين مدير المخابرات، وهو أمر كان في الإمكان القيام به، على اعتبار أنه لا يريد مضاعفة حروبه التي يمكن أن تنتهي إذا ما أجريت الانتخابات الرئاسية. بالنسبة الى عون، بحسب مطلعين على موقفه، هو كرس مبدأ التعيينات الامنية بعدما اكتمل عقد المجلس العسكري. وجاء تعيين مدير المخابرات الجديد العميد كميل ضاهر، برواية عونية مختلفة، ليضيف الى ورقة عون مكسباً جديداً، من خلال العمل مجدداً بالتعيينات العسكرية في الجيش، التي ستعود الى الواجهة مجدداً، إن لم تجر الانتخابات الرئاسية في الاشهر المقبلة.
أما سياسياً، فالحملة السياسية على عون المتعلقة برئاسة الجمهورية لا يزال ينظر اليها على أنها من عدة الشغل السياسية، وإن بوتيرة مرتفعة، ومطعمة بضغط سعودي. لكن عون لا يقارب هذا الملف ويتركه على إيقاع الملف الاقليمي، فيما عتبه واستياؤه، بحسب عبارة يستخدمها بعض المقرّبين منه، هو أن حزب الله يترك اللعبة الداخلية المتعلقة برئاسة الجمهورية تأخذ مداها في استهدافه، وهو ينتظر كيف سيستخدم الحزب « فائض القوة» الذي يتمتع به في الداخل والخارج، لتجيير الضغط السياسي وتسريع وتيرة العمل في الملف الرئاسي، في ظل عدم اقتناع القاعدة العونية بأن حزب الله لا يقدر على إقناع الرئيس نبيه بري الذي يكرر لازمة «انتخابات على قاعدة لا غالب ولا مغلوب»، ولا يقدر على إقناع فرنجية بسحب ترشيحه.
لكن عون الذي يحاصر حالياً في أكثر من ملف، يحاول فرض إيقاع جديد، عبر اقتراح إجراء الانتخابات النيابية مع الانتخابات البلدية. قد يبدو هذا الاقتراح للوهلة الاولى محكوماً بالفشل، وأنه شبيه باقتراح انتخاب الرئيس من الشعب الذي سقط. لكن الاقتراح جديّ وليس ابن ساعته، أو منبثق من انفعال نتيجة الحائط المسدود الذي وصلت اليه الرئاسيات، ويهدف الى ملء الوقت الرئاسي الضائع. هو مبني على معادلة بسيطة بمساواة الانتخابات النيابية بالبلدية. فإذا كانت الانتخابات البلدية جائزة لأسباب أمنية، فإنها يمكن أن تجوز أيضاً في الانتخابات النيابية التي أصرّ عون على إجرائها ورفض التمديد للمجلس النيابي. واقتراح إجرائها على أساس قانون 1960 يهدف الى سحب الحجة التي يتذرع بعض القوى السياسية بعدم وجود قانون للانتخاب، كي تجرى الانتخابات على أساسه. فهذه القوى المعترضة على إجراء الانتخابات النيابية والمؤيدة للتمديد، تتمسك ضمناً بقانون 1960، على قاعدة أنه يؤمن لها حصة تمثيلية توازن التي تتمتع بها حالياً. ما يثق به عون، بعد تفاهمه مع القوات، بحسب مطلعين، هو أن الفريقين قادران على تحقيق أرجحية مسيحية واضحة. هذا الكلام ليس عبثياً، بل هو مبني على وقائع وأرقام وإحصاءات موثوقة. من هنا أهمية الطرح الذي يجري العمل عليه. فالحرص على إجراء الانتخابات البلدية مسيحياً، لتثبيت قاعدة عريضة تمسك بالقرى والبلدات التي ستخاض فيها المعارك البلدية، ضروري لتشكيل قوة ضغط شعبية مسيحية، بقدر ما هي ضرورية إعادة تأكيد الأحجام مسيحياً داخل المجلس النيابي، على طريق انتخاب الرئيس الجديد.
لا يتوقع أصحاب الاقتراح الذي حرك الساحة الداخلية أن يكون إمرار الاقتراح سهلاً، أسوة بما حصل حتى الآن في الملفات السابقة، ولو أن المعارضين يتذرعون بالأمور الادارية لعدم إجرائها. بل هو شبه مستحيل، لأن القوى المعنية لا تزال راضية عن التمديد، ولأنها تعرف، في الغرف المقفلة، أن الاحصاءات تؤكد أن الانتخابات إذا أجريت اليوم فستعطي التيار والقوات الأرجحية المسيحية الواضحة. ولا أحد سيعطيها، لا الى عون ولا الى جعجع.