الزحف البرتقالي الى «قصر الشعب» في بعبدا ان دل على شيء فعلى قدرة العماد ميشال عون على الحشد، الجنرال لا يزال كما كان بعد ربع قرن تقريباً، كل شيء تغير الظروف والمعطيات والتحالفات، الا عون الثابت ابداً على مواقفه فهو لم يرسم سقفا وتنازل او خفض من منسوبه في لعبة المقايضات كما تقول اوساط «التيار الوطني الحر» ولكن اللافت انه لا يزال يغرد خارج سرب الآخرين حيث اثبتت المجريات انه كان على حق في زمن خرج فيه الجميع صارخين «اصلبوه، اصلبوه»، يوم اطاحت باحلامه «السوخوي» السورية واخرجته من القصر الجمهوري، وقد تعيده اليه «السوخوي» الروسية للارتباط العضوي بين الساحة السورية والاخرى المحلية ولو سمحت دمشق او قبلت في العام 1990 طروحاته، ربما لم يحصل ما هو حاصل الآن من حرائق على ساحتها الاانها آثرت آنذاك اقتلاع الجنرال من بعبدا افساحاً لتطبيق «اتفاق الطائف» الذي رسمته التفاهمات السورية الاميركية السعودية وفق المقاس الدمشقي ولكن على حساب مواقع المسيحيين في الدولة، وثأراً من «المارونية السياسية» التي اثبتت المجريات انها كانت الافضل في قيادة البلاد، قياساً على السنية السياسية والشيعية السياسية، كونها خلفت وراءها دولة مؤسسات فاعلة لتنتهي هذه المؤسسات الى الفشل بفضل «الطائف» الذي بات دستوراً، ورحم الله الرئىس فؤاد شهاب الذي قال: «نجحت في بناء دولة وفشلت في بناء وطن».
وتضيف الاوساط البرتقالية ان عون لن يصعّد في الشارع على طريقة الآخرين، وانه يمارس مقولة «العين بالعين والسن بالسن والبادىء أظلم»، فقد اتفق عليه الآخرون اي فريق 14 آذار و8 آذار في معظم المحطات من رفضه التمديد للمجلس النيابي الى افشال طعنه في المجلس الدستوري وصولاً الى التمديد لقائد الجيش والقادة الامنيين، بالاضافة الى تبرؤ «تيار المستقبل» من التزامات الرئيس سعد الحريري حياله في موضوع انجاز الاستحقاق الرئاسي وخديعته له في احتفال بعيد ميلاده الثمانين في «دارة الوسط»، فحري بالجنرال بأن يرد الرجل له في شلل عمل الحكومة وتحويلها الى حكومة تصريف اعمال دون ان يستقيل وزراء «التيار» منعاً لاستغيابهم وتمرير ما يريده التيار الازرق في مجلس الوزراء.
وتشير الاوساط الى ان عون لا يطرح الامور جزافاً بل لديه الكثير من المعطيات عن اقتراب قطفه لثمار الرئاسة الاولى وانه عندما اعلن في احتفال «التيار» اثناء تسليمه القيادة للوزير جبران باسيل «عن ان الرئيس سيولد من معاناتكم» لم تكن العاصفة الروسية قد هبّت في سوريا والتي فاجأت الجميع الا الجنرال وحلفاؤه، وان خطابه يوم امس عن «تحرير» بيت الشعب «من الفراغ» ليس مزاحاً، وان ما في جعبته من معطيات لن يكشفها للآخرين الا حين تدق الساعة، «ويندم الآخرون ولات ساعة مندم»، وما يؤكد ذلك موقف رئىس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط المفاجئ اذا اعلن «ان لا مانع لديه من وصول عون الى الرئاسة». فجنبلاط صاحب عقل استشرافي في قراءة الآفاق بحكم شبكة علاقاته الاقليمية والدولية، ولا يطرح الكلام جزافاً، بل غالباً ما يبني على الشيء مقتضاه وفق الظروف وآنيتها ما يعني ان عودة الجنرال الى بعبدا باتت شبه حتمية كون موسكو باتت اللاعب الاقوى على الساحة السورية بتوافق مع واشنطن التي تفضل الانصراف الى شؤونها الداخلية وهذه سياسة الحزب الديموقراطي الحاكم على الغرق في مستنقعات الخارج.
وتقول الاوساط ان زيارة ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الى روسيا ولقاؤه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لاستطلاع نوايا موسكو في سوريا وتوافق الطرفين على مسألة اجتثاث الارهاب ان دل على شيء فعلى القلق السعودي من المجريات وسط شكوك المملكة من التفاهم الروسي الاميركي حول ترسيم مناطق النفوذ لا سيما وان السعودية تحاول التفتيش عن مخرج لها من وحل اليمن ولن يحصل ذلك الا بالانفتاح على ايران كونها اللاعب الاساسي على الرقعة ما يعزّز الدور الروسي في صناعة الحلول من سوريا الى لبنان وصولاً الى اليمن.