ما يجري في باريس بين الرئيس سعد الحريري ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية لا يولد اقتناعا بأنه سينتهي الى إتفاق على انتخاب رئيس جمهورية جديد، ولا الذي يجري بين رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع يولد الاقتناع نفسه ايضا.
وفيما يقول وزير الداخلية نهاد المشنوق ان انتخاب الرئيس يحتاج الى قرار اقليمي ودولي لم يتوافر بعد فإن غالبية الاوساط السياسية باتت مقتنعة في ضوء كل ما جرى في الآونة الاخيرة، وحتى في ما قبلها، وما يجري الآن بأن ملف الاستحقاق الرئاسي يخضع لحركة لكنها «بلا بركة»
إذ يؤكد كثيرون أنه لن يفتح جديا قبل ستة اشهر من الآن على الاقل، وأن كل ما يجري هو اشبه بمناورات متبادلة على المسرح السياسي في انتظار ما سيؤول اليه الوضع في الميدانَين السوري واليمني وكذلك الاشتباك السعودي ـ الايراني، وعلى ضوء ذلك ما سينتج من معطيات قد يتبلور اسلوب التعاطي مع مصير الاستحقاق الرئاسي، خصوصا ان القوى المنخرطة في هذا الاستحقاق لديها رهاناتها على ما يجري في الاقليم لتبني على الشيء مقتضاه.
ما رشح من لقاء باريس الجديد بين الحريري وفرنجية يفيد ان الاول اكد للثاني مضيه في مبادرته، وان الثاني ابلغ اليه ان حلفاءه يؤيدون ما ذهبت اليه تلك المبادرة، ولكن الاجواء في بيروت غيرها في باريس، بعض مرحب، وآخر مترقب، وثالث «نقزان» ورابع يتحدث عن «إمرار وقت ضائع» وخامس يضرب «الاخماس بالاسداس» وينظر بعيون غائمة الى مصير الاستحقاق.
عندما حاور عون الحريري سابقا ليكون رئيسا توافقيا اقتنع الاخير به لكن عندما اصطدم بـ»الفيتو» السعودي معطوفا على رفض جعجع، صارح محاوره بانه لا يستطيع ان يسير به ما لم يحظ بتوافق مسيحي عليه، وتحديدا أن تؤيده «القوات اللبنانية».
في ضوء ذلك تبلورت لدى عون فكرة التحاور مع جعجع وكان ان حصل التواصل العوني ـ القواتي الذي انتج «اعلان النوايا» قبل اشهر على ان يستكمل بانسحاب جعجع من السباق الرئاسي لمصلحة عون، وها هو جعجع يؤكد في جلساته الحزبية انه جدي في التوجه الى تأييد عون مفندا الاسباب الموجبة لذلك.
وقد تكشّف اخيرا ان اندفاع عون للحصول على تبني جعجع ترشيحه كان سببه ايضا ما تعهد به فرنجية للوزير جبران باسيل في لقاء البترون الشهير بينهما قبل اسابيع انه مستعد للإلتزام بترشح حليفه عون في حال ايده جعجع.
لكن معنيين يشككون في ان يؤدي خلو الساحة الرئاسية لعون وحده بهذه السهولة، اولا لأن فرنجية يتصرف منذ لقائه الاول مع الحريري ان «المجتمع الدولي» يدعم ترشيحه، وان استمرار الحريري في مبادرته رغم كل ما يجري حاليا بين السعودية وايران يولد اقناعا لديه بأن ترشيحه قد يكون احدج بنود التسوية المتوقعة للإشتباك الايراني ـ السعودي، وفي هذه الحال يمكنه ان يتحلل من الإلتزام الذي قطعه لباسيل، حتى ولو اعلن جعجع تأييده لعون.
وفي السياق يقول فريق من السياسيين ان ترشيح جعجع لعون أذا حصل فعليا فإنه لن يعرضه لأي خسارة سياسية، فان تيسر لعون الفوز فان حضور «القوات» سيكون قويا في ظل عهده الرئاسي الى جانب «التيار الوطني الحر»، واذا لم يتيسر هذا الفوز فانه يكون قد ربح سياسيا على المستوى المسيحي باقترابه اكثر من القاعدة العونية لتشكل مع «القوات» قوة سياسية في الساحة المسيحية تؤثر في المعادلات.
بيد ان سياسيين آخرين يقولون ان استمرار عون في ترشيحه متجاهلا الفرص الضئيلة لفوزه، انما هو مبني على مراهنته على الوضع الاقليمي المرتبط تحديدا بسوريا، فهو يرى ان لا امكانية لحصول اتفاق اقليمي ـ دولي او داخلي قريب على انجاز الاستحقاق الرئاسي في لبنان، وان استمرار الشغور الرئاسي يصب في مصلحته، فهو يراهن على الحلف الروسي ـ الايراني ـ السوري «الحزب اللهي» الذي يتجه الى تغيير وقائع الميدان السوري، إن لم يكن الحسم، لمصلحته، وهو حلف يعتقد عون ان في امكانه ان يفرضه في اي وقت رئيسا للجمهورية بنتيجة موازين القوى السياسية ووقائع الميدان.
وبالاضافة الى ان عون مقتنع بأن حزب الله وكذلك القيادة السورية حريصان على «موقعه الاستراتيجي» في المعادلة الداخلية اللبنانية، ولا يفرطا بالتحالف معه،
ويرى هؤلاء السياسيون انه في انتظار الصورة الاقليمية، فان القوى السياسية لا ترى ضيرا في ان تمارس سياسة تقطيع الوقت او تبادل المناورات السياسية فيما بينها.
ولذلك يقرأ هؤلاء السياسيون في ما يجري بين الحريري وفرنجية انهما لا يريدان اقفال «البازار» قبل ان تحصل عملية «البيع والشراء» في الاستحقاق، فيثبتا موقعهما التفاوضي ولا يحرقان ورقة على رغم انتفاء مفاعيلها فيحافظان عليها في الشكل والتكتيك ما دات المسألة كلها مسألة مناورات في البلد طالما ان الجميع يدركون ان لا إنتخابات رئاسة الآن، فلماذا يخسرا هوامش المناورة على الاقل،
ولو انهما ادركا ان لا فرصة للرئاسة، خصوصا ان هناك لعبة مزايدة واستفزاز لهما من خصومهما والحلفاء، علما أن فرنجية بالذات لم يعد قادرا ولا مقررا ولا جاهزا للعودة الى مكانه الطبيعي الذي كان قبل «المبادرة»، خصوصا ان الجانب السوري لم يبدِ حماسة لترشيح فرنجية، في الوقت الذي لمس الحريري ان افرقاء لا يبدون حماسة الآن لعودته الى رئاسة الحكومة.
ولذلك سيستمر التواصل العوني ـ القواتي في موازاة التواصل «المستقبلي» ـ « المردي» الى ان يكتب الله أمراً كان مفعولا….