Site icon IMLebanon

«عون راجع عالقصر»!!

هل ستُعبّد ذكرى 13 تشرين الأول ال 26 طريق الجنرال ميشال عون الى قصر بعبدا، حيث كان يتجمّع «شعب لبنان العظيم» على طول الطرقات المؤدية اليه في الثمانينات، وهل لا تزال طريق الوصول اليه تليق بالأقوياء والكبار أم أنّ الأمر بات مرهوناً بالارتهان فقط لدول الخارج؟

في أحياء الأشرفية التي بقيت وفية لذكرى العماد عون في منفاه الباريسي،  وازدانت جدران شوارعها طويلاً بعبارة «عون راجِع»، وجدت اليوم شعاراً جديداً لم تستوحه فقط من ذكرى 13 تشرين، بل ممّا تشهده من انفتاح وتوافق مسيحي- مسلم قد يوصل الجنرال الى قصره هي «عون راجِع عالقصر».

فهل يعود الجنرال عون قريباً الى القصر رئيساً في ظلّ ما حصل أخيراً من تفاهمات وتسويات داخلية وخارجية، أم أن الأمور ستسير عكس التيار هذه المرة أيضاً، وعكس ما تريده شريحة كبيرة من المسيحيين لأنّ التسويات الكبرى المنتظرة لم تتمّ بعد؟!

صحيح أنّ انتخاب رئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون لا يرتبط بذكرى أليمة كانت أم مفرحة، مشرّفة أم غير مشرّفة، تحمل انتصاراً أو انكساراً، بحسب وجهات النظر المختلفة التي تتحدّث عن هذه الذكرى حالياً، إلا أنّ اللبنانيين الذين اعتادوا إحياء الذكريات لا بدّ وأن يستفيدوا من كلّ منها لإطلاق الشعارات التي تدغدغ أحلامهم علّها وعسى تتحقّق.

فعبارة «عون راجِع عالقصر» التي زيّنت جدران أحياء الأشرفية والحدث وبعبدا وسواها من المناطق اللبنانية إنّما تعبّر، بحسب أوساط مقربة من التيار الوطني الحر، عن مواقف شريحة كبيرة من اللبنانيين تنادي بالجنرال عون رئيساً، وتعبّر بذلك من خلال كتاباتها على الجدران، حتى ولو لم تكن هي الحكم في هذا الاستحقاق، بل النوّاب الممدّدون لأنفسهم مرتين، والذين يفترض أنّهم يمثّلون الشعب تمثيلاً حقيقياً.

ولو كان الرئيس في لبنان يُنتخبه الشعب مباشرة لكانت اختلفت المعادلة، على ما أضافت، رغم أنّ عدداً كبيراً من اللبنانيين يخضعون، بطريقة أو بأخرى، لمواقف قادتهم، وهذا ما يجعلهم يُسقطون الأسماء نفسها في صناديق الاقتراع النيابية، فتعود المجالس ذاتها مع تغيير في بعض الوجوه. علماً أنّ التغيير الفعلي لا يمكن أن يحصل، إلا إذا انتخب المواطن وفق قناعاته ومواقفه الخاصة بعيداً عن مصلحة هذا الزعيم أو ذاك، وهذا موضوع آخر.

أمّا ذكرى 13 تشرين هذا العام فلن تُحدّد مصير الجنرال، على ما عقّبت الأوساط نفسها، وليس بالضرورة أن يحمل هذا التاريخ مفتاح الفرج أو أن يسدّ طريق بعبدا أمام الجنرال. فالحسابات السياسية التي تجري على مستويات عالية كفيلة بفتح الأبواب والطرقات وتسهيل الوصول، حتى للشخص الأقلّ كفاءة إذا ما اتفقت فيما بينها، فكيف إذا كان المرشح الذي يتمّ التداول باسمه على مستوى الجنرال عون؟

لا شيء محسوم حتى الآن، فحسابات الربح تساوي حسابات الخسارة إذ من غير المستحبّ لبعض دول الجوار والخارج أن يكون للبنان رئيس مسيحي قوي يقود البلد نحو التقدّم والازدهار والتطوّر، لأنّ دورهم يُصبح مهدّداً. فهذه الدول تريد للبنان أن يبقى ضعيفاً وبحاجة اليها دائماً ولهذا فهي لا تدعمه على النحو اللازم.

تقول الأوساط نفسها، لا يجوز أن نبقى ندور في حلقة مفرغة، ونترك الآخرين ينعمون بالقادة الأقوياء فيما قادة المسيحيين مرفوضون، أو توضع أمام وصولهم الى الموقع الأول العراقيل والذرائع الواهية. ولهذا فإنّ الجنرال بحاجة أيضاً الى أقوياء الى جانبه يتمتّعون بالحنكة السياسية، على غرار الرئيس كميل شمعون الذي دعم ترشيح الشيخ بشير الجميل وأوصله الى قصر بعبدا.

حتى الآن أثبتت الأيام أنّ التجييش الشعبي، على رغم أهميته وإظهاره للعالم حجم كلّ قائد أو مسؤول، لا يوصل أي زعيم الى أي منصب تؤكد الاوساط، لأنّ الشعب رغم أنّه «مصدر السلطات» في لبنان، على ما ينصّ عليه الدستور اللبناني، لم يتمكّن من إحلال كلمته بعد بدلاً من التسويات الداخلية الضرورية، والخارجية التي من شأنها أن ترفع «الفيتو» عن هذا المرشح أو ذاك.

رغم ذلك فإنّ عدة قيادات لم تُظهر اقتناعها بعد، على ما تؤكّد الاوساط، أنّه يجب أن تنتخب «الأقوى والأجدر» بين المسيحيين كرئيس للجمهورية، ولهذا ما زالت تطرح أسماء توافقية من هنا وهناك، قد لا تُمثّل الشيء الذي يُذكر عددياً، بهدف تحجيم المسيحيين، وإبقائهم تحت سيطرتها. فمثل هذه القيادات لا تعتبرهم شركاء فعليين في الوطن، بل أقلية ربما، لأنّ عددهم قد قلّ كثيراً منذ نشأة لبنان وحتى اليوم، فبعد أن كانوا يُمثّلون 65 في المئة من الشعب اللبناني، باتوا 39 في المئة فقط، الأمر الذي يُشجّع الطوائف الأخرى، مع الأسف، على اختزال دورهم أو تحجيمه، أو حتى محاولة إلغاء وجودهم.

غير أنّ الأعداد ليست هي الأساس، على ما تقول الاوساط، بحسب وجهات نظر دول خارجية عديدة، وبحسب رأي الفاتيكان أيضاً الذي يجد في مسيحيي لبنان ضرورة لبقاء مسيحيي دول الشرق الأوسط كلّها فيه، بعيداً عن السياسات التدميرية والإلغائية لكلّ الذين لا يتوافقون معها. ولهذا فقد بات من الصعب على أصحاب هذه النظرية الاستمرار في مشروعهم وتطبيق ما لا يمكن أن يحصل، وهو نزع المسيحيين من لبنان والمنطقة وإلغاء دورهم، بدءاً من إبقاء موقع الرئاسة اللبنانية شاغراً لعدة سنوات إضافية بعد، بهدف تفريغه من أهميته ومضمونه.

ولهذا يتمسّك المسيحيون اليوم بدورهم وموقعهم الأول في البلد أكثر من أي وقت آخر، ويرفضون التفريط به كرمى لمصلحة هذا البلد أو ذاك، كونه الضمانة الأولى لبقائهم في لبنان والشرق. ومن هذا المنطلق يحبّذون وصول الجنرال الى قصر بعبدا تؤكد الاوساط المقربة في التيار الوطني الحر، لأنّه الأقوى حالياً على الساحة المسيحية، وذلك باعتراف رئيس «القوّات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي يدعم ترشيح الجنرال، ليس إرضاء للعونيين، بل حفاظاً على الموقع الرئاسي من أي مساس تحجيمي. وتشدد الاوساط على ان القادة المسيحيين جميعاً يرفضون التفريط بالموقع الرئاسي وإسداءه لأي كان، ما عدا الجنرال عون، لأنّه الضمانة الأولى والأخيرة لبقاء المسيحيين ووجودهم في هذا الشرق. وهذا ما يُشدّد عليه البابا فرنسيس، كما البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عند إطلاق الدعوات لانتخاب الرئيس في أسرع وقت ممكن.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه روسيا بدء الحرب العالمية الثالثة في بعض وسائلها الإعلامية، فإنّه على لبنان استدراك الأمر، على ما شدّدت الأوساط نفسها، وانتخاب الرئيس الأقوى لأنّ المرحلة المقبلة من عمر الوطن والعالم لن تكون سهلة، ولا بدّ للأقوياء من مواكبتها لكبح جماحها. وإلا فإنّ العالم لن يشهد عودة السلام والأمن والاستقرار الى ربوعه مجدّداً، بل حروباً متفجّرة بين الدول تقوده في نهاية الأمر الى الهاوية، على غرار ما حصل في الحربين العالميتين الأولى والثانية، والتي لا يريد أحد اليوم أن يرى مشاهدها التدميرية والبشعة تتكرّر في بلده.