IMLebanon

عون يندفع أكثر: تطبيق «الطائف» فعلياً

لم يطرأ أيّ جديد عملي في موضوع الحكومة على رغم الكلام الذي يتردّد هَمْساً في الكواليس السياسية.

تيار «المستقبل» كان قد رفع من سقف تفاؤله بعد زيارته لرئيس مجلس النواب نبيه بري والذي يشكل «بيضة قبان» النزاع داخل الحكومة. ونقلت مصادر المشاركين عن بري ليس فقط تأييده مبدأ عدم تعطيل الحكومة، بل أيضاً للاتفاق على آلية عمل جديدة داخل الحكومة مرفقاً ذلك بانتقادات كثيرة لرئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون.

ومن هنا انطلق بعض رموز «المستقبل» في إعلان توقعات حلّ لإنعقاد جلسات مجلس الوزراء مجدَّداً في مهلة أقصاها اسبوعين. وعلى رغم ذلك استمرّ موقف رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أكثرَ حذَراً وكأنّ الصورة ليست بهذه السهولة. في المقلب الآخر تبدو الصورة مختلفة، لا بل أكثرَ تشدّداً.

صحيحٌ أنّ عون سمع من السفير الاميركي ديفيد هيل «نصائح» بعدم ضرب الحكومة، لكنّ زوال الحكومة شيء والتمسّك بأولوية بنود شيء آخر.

في المبدأ «ترحرح» عون بعد المصالحة مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، كون ذلك سيحرم خصومه من مشاكسته داخل الساحة المسيحية. وبالتأكيد لم ينجح «اللقاء التشاوري» في فرض نفسه بديلاً فاعلاً في لعبة التوازن مع عون.

لكنّ الفجوة المتمثلة بموقف بري كان لا بدّ من معالجتها بمساعدة «حزب الله» غير المرئية. قيل إنّ «التيار الوطني الحر» قد يعيد قريباً تعديل موقفه حيال المشاركة في جلسات تشريع الضرورة. وقيل أيضاً إنّ بري لا يمكنه تعريض «حزب الله» لخطر مستقبلي من خلال الموافقة على آلية حكومية جديدة لا تأخذ بمبدأ التوافق.

وقيل أكثر إنّ ظروف النزاع المحتدم في سوريا لا تسمح بـ»ترف» ضرب التوازنات الحكومية. وهذا يعني في نهاية المطاف أنّ مواقف بري هي أقرب الى مناورة منها الى انعطافة، وأنه يحتفظ لنفسه بحدود لن يتجاوزها.

في اختصار لا وجود لبشائر «حلحلة» حكومية في المدى المنظور، لكن هنالك ما هو أبعد واعمق. ذلك أنّ من الخطأ التعاطي مع الأزمة الحكومية ملفاً داخلياً منعزلاً عن السياق العام العريض للأحداث في المنطقة. فقريباً سيبدأ عون فتح جبهة جديدة عنوانها تطبيق «اتفاق الطائف» بنحوٍ كامل، خصوصاً تلك البنود المتعلقة بالشراكة وتقاسم السلطة.

وهذا المسار، وإن كان سيبدأ تحت عنوان الدعوة الى تطبيق «اتفاق الطائف» تطبيقاً كاملاً وفعلياً، إلّا أنه سيتحوّل بعد فترة ليست ببعيدة في اتجاه تعديل «الطائف» وربما نفسه لإحلال اتفاق جديد يؤمّن المشاركة الفعلية.

أو بعبارة أوضح الوصول لاحقاً الى المؤتمر التأسيسي الذي يشكّل هدفاً مركزياً لدى «حزب الله»، في مرحلة تشهد اتفاقاً أميركياً – إيرانياً تاريخياً، ووسط إعادة انتاج خريطة جيو- سياسية جديدة في العراق وسوريا لا بدّ من أن تشمل لبنان.

خلال المرحلة الماضية، وإثر تصاعد الحديث الجدّي حول النية بدفع الامور للذهاب الى المؤتمر التأسيسي، تحرّكت عواصم اوروبية بالتنسيق والتفاهم مع واشنطن بهدف تثبيت «اتفاق الطائف» ولجم أيّ نية للذهاب الى اتجاهات أخرى من خلال فكفكة المؤسسات. وجاءت زيارة وزير الخارجية الالماني للبنان لتحمل في طياتها هذه الرسالة. لكنّ المطروح اليوم يأتي من بابٍ آخر عنوانه التطبيق الكامل لاتفاق الطائف وإلّا…

وما يزيد من دقة الوضع وحساسيته الجرح المفتوح في عرسال. ومن الطبيعي الاعتقاد أنّ أيّ تطوّر عسكري أو ميداني لا بدّ من أن تتم ترجمته على المستوى السياسي لاحقاً.

وفي نزاعٍ دموي يأخذ طابع ترتيب واقع جغرافي جديد في سوريا وفرز مناطق لا بدّ من طرح ألف سؤال حول مدى انعكاس ذلك على منطقة عرسال المتاخمة، لا بل المتداخلة مع الحدود السورية والتغييرات الجوهرية التي طرأت إثر المعارك الكثيرة التي طاولت المناطق السورية المجاورة.

في الكواليس كلام كثير حول مصير المنطقة الجنوبية لدمشق وسعي إسرائيل لجعلها منطقة نفوذ مباشرة لها بحجة حماية الأقلية الدرزية بعد تعريضها لاضطرابات دموية.

وعند حدود البقاع الشمالي مع سوريا معارك تحمل أبعاداً ديموغرافية. ولذلك مثلاً تعمّد السفير الاميركي حضور مناورة للجيش في تلك المنطقة ليحمل معها رسائل بالجملة، واحدة في اتجاه الجيش كرهان كامل على هذه المؤسسة، وثانية في اتجاه المهمة التي يتولّاها في تلك المنطقة، وثالثة في اتجاه النزاع السياسي الداخلي المتفاقم.

لكنّ كلّ تلك الرسائل لا تلغي حقيقة أنّ الجغرافيا تتغيّر، وأنّ الحسابات اللبنانية والسورية متداخلة، وأنّ المنطقة يُجرى «عجنها» كما قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وأنّ هناك مَن يريد المشاركة في هذه «العجنة» من خلال فرض نفسه رقماً أساساً في المعادلة.