يؤكّد أصحابُ الخبرة في العلاقة بين الرئيس ميشال عون و«حزب الله» أنّ التباين بينهما حول مقاربة العُقدة السنّية، ليس من النوع الذي يهدّد تحالفهما العميق، على رغم أنّ تسرّبَه الى سطح المياه السياسية يتعارض من حيث المبدأ مع «تقاليد» تلك العلاقة التي ارتكزت منذ تفاهم مار مخايل على التناغم والتنسيق وقضاء الحوائج بالكتمان ومعالجة التباينات في الغرف المغلقة.
والأرجح، أنّ التمايز العلني بين عون و«الحزب» في النظرة الى مطلب توزير مجموعة النواب السنّة المستقلّين إنما يعكس خللاً ما، طرأ على «منظومة» التعاون والتنسيق، أفضى أولاً الى وقوع الخلاف بحدّ ذاته وثانياً الى تظهيره بشكل مكشوف وعلى أعلى المستويات، بدل أن يكون موضعَ نقاشٍ ومصارَحةٍ في الظلّ.
لعلّ عون و«التيار الوطني الحر» يشعران بأنّ «حزب الله» حاول عن قصد أو غير قصد أن يفرض امراً واقعاً من دون التشاور المسبق معهما ومن غير مراعاة مقتضيات الحسابات السياسية في هذه اللحظة سواءٌ للعهد أو حتى للمقاومة، فيما تعتقد «حارة حريك» أنه لم يكن مناسباً أن يجاهر رئيس الجمهورية عبر الأثير باعتراضه على مطالبتها بمنح مقعد وزاري للنواب الستة وأن يوجّه ملاحظات علنية الى الحزب وتكتيكاته بدل أن يشرح حيثيات موقفه وأسبابه الموجبة عبر أقنية التواصل المعتمَدة في الكواليس، إلّا إذا كان قد تعمّد إيصال رسالته الى الضاحية بواسطة البريد الإعلامي السريع.
ومع ذلك، يجزم العارفون بأنّ التمايز المستجد بين عون و«الحزب» موضعي وليس قابلاً للتغلغل تحت «الجلد»، لافتين الى أنّ تحالفهما الاستراتيجي لن يتأثر بحسابات وزارية وهو الذي ظلّ متماسكاًَ أمام حرب تموز بكل ما واكبها من ضغوط على عون لإبعاده عن السيد حسن نصرالله، ثم بقي صامداً خلال معركة رئاسة الجمهورية بكل ما رافقها من ضغوط على «حزب الله» للتخلّي عن الجنرال خصوصاً بعد ترشيح حليفه سليمان فرنجية وحصوله على دعم الحريري، وغيرها من المحطات المفصلية التي تَمكّن الرجلان من عبورها بنجاح.
والاكيد، أنّ «تحالفاً وجودياً» أدّى دوراً رئيساً في وصول عون الى كرسي الرئاسة لن يغرق في «فنجان» مقعد وزاري، لاسيما أنّ وظائفه الحيوية لم تنتهِ بعد، سواءٌ على مستوى تحصين التوازنات الداخلية أو على صعيد حماية الخيارات الكبرى.
أكثر من ذلك، هناك مَن يفترض أنّ الافتراق المستجدّ بين عون و«الحزب» حيال مسألة توزير السنّة المستقلّين هو لمصلحة تفاهمهما الاستراتيجي وليس ضده، كما قد يبدو للوهلة الأولى في الظاهر.
ويعتبر أصحاب هذه النظرية أنّ عون «المتهم» من بعض الأوساط الداخلية والخارجية بالذوبان في وعاء «حزب الله» وبالتماهي مع سياساته وخياراته على حساب موقعه كرئيسٍ للجمهورية، إنما يحتاج احياناً الى الوقوف على مسافة منه في الشأن الداخلي بغية إسقاط هذه التهمة وتثبيت استقلاليّته وإثباتها، ولو لم يكن يوجد سببٌ موضوعي لهذا «التمايز الصحّي» لوجب عليه اختراعُه.
ووفق هذه المقاربة، فإنّ عون الذي نجح في استمالة مزاج البيئة السنّية بفعل وقوفه الى جانب الحريري أثناء أزمته في السعودية ومساهمته في إخراجه منها، تمكّن مرة أخرى من كسب تعاطف هذه الشريحة نتيجة تضامنه مع الحريري في رفض منحِ مقعدٍ وزاريّ للنواب السنّة المستقلّين، الامر الذي من شأنه أن يزيل عنه صبغة اللون الشيعي وأن يقدّمَه كرئيسٍ متوازن يقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين في ما يتصل بالشؤون الداخلية.
وانطلاقاً من هذا الرصيد الوطني، يصبح من الصعب اتّهام عون بأنه شيعيُّ الهوى وينفّذ أجندة «حزب الله» كلما اتّخذ موقفاً داعماً لخيار المقاومة وسلاحها أو متفهِّماً لدواعي وجودها في سوريا، وبالتالي فإنّ «الحزب» يحتاج أكثرَ من غيره الى عون «المتوازن» في إدارة الحكم أو حتى المختلف عنه في التفاصيل اللبنانية، لأنّ ذلك يُحصّن على المقلب الآخر من المعادلة خيارَ رئيس الجمهورية الاستراتيجي المؤيّد للمقاومة وللانفتاح على الدولة السورية، وينفي عنه «شبهة» الانحياز الى جانب الشيعة ضد السنّة، كما يروّج خصومه جهاراً أو همساً.