انتهى التريث في استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري ليبدأ العمل في تفعيل عمل الحكومة، وفق صيغة تنأى بها عن ازمات المنطقة وصراعاتها بما يحفظ امن واستقرار لبنان.
لذلك كان التشاور الذي لجأ اليه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، للحفاظ على التسوية السياسية القائمة، والتي جرت محاولة نسفها، من خلال الاستقالة التي تبين انها مفروضة على الحريري والتي اعلنها من الرياض، حيث نجح الرئيس عون، في منع انزلاق لبنان نحو فتنة داخلية لو تسرّع بقبول استقالته، وفق مصادر سياسية مطلعة ومواكبة لما حصل منذ 4 تشرين الثاني، والتي تؤكد ان الاستقالة انتهى مفعولها، والحريري لم يقدمها لرئيس الجمهورية، بل عرض عليه انه يتجه نحوها، اذا لم يحصل تطبيق للنأي بالنفس، في ازمات المنطقة وتحديدا في دول الخليج، وان الازمة في سوريا، اقيم حولها «ربط نزاع» لان كل الاطراف اللبنانية، تدخلت فيها قتاليا وسياسيا واعلاميا وماليا.
والنأي بالنفس، كما حياد لبنان، يوجد خلاف لبناني داخلي حول تفسيرهما، ويعود ذلك الى عقود، سواء بالنسبة للصراع العربي – الاسرائيلي، او لعبة المحاور الاقليمية والدولية، وهذا يتطلب ان يتوافق اللبنانيون حول تحديد وطني اولا، ثم سياسي وعلمي، لمثل هذه العبارات، تقول المصادر، كما حصل بالنسبة لعروبة لبنان، التي شكلت انقساما وطنيا منذ بداية القرن الماضي، بين انتماء لبنان الى محيطه العربي وبيئته القومية او ارتباطه ثقافيا بالغرب، الى ان كانت التسوية في العام 1943، وما سمي الميثاق الوطني، ان لبنان ذو وجه عربي، وليس للاستعمار مقرا او ممرا، وجاء اتفاق الطائف ليثبت عروبة لبنان في مقدمة الدستور.
من هنا فإن الاخراج السياسي الذي يجري البحث فيه، هو كيف سيبتعد لبنان عن حروب المنطقة، والتي تعود اسباب الازمات فيها الى صراعات داخلية ضمن الدول التي تشهد معارك عسكرية، تخطت الاقتتال الداخلي، الى حرب تأخذ طابعها الاقليمي والعالمي، كما في سوريا والعراق واليمن وليبيا، مما يشير الى ان القضية اكبر من حجم لبنان، تقول المصادر، حيث الحلّ على مستوى دول، ولا ينفع ما اذا نأى لبنان بنفسه ام لم ينأى، وهو عمليا لا يتدخل في صراعات المنطقة كحكومة، التي «حزب الله» الموجود فيها، فأعلن بصراحة انه يقوم بحرب استباقية منذ عام 2013 في سوريا ضد الجماعات الارهابية، وهو لم يشارك في القتال الى جانب الجيش السوري، الا بعد ان هددت هذه الجماعات لبنان، ومناطقه الحدودية مع سوريا، وقد حماها من اجتياحها منها، الا من دخل من عناصرها عرسال وجرودها ولقد كان قرار مشاركته صائبا، بطرد المجموعات الارهابية منها، وتحرير عرسال وجرودها مع القاع ورأس بعلبك، حيث لا ينطبق النأي بالنفس هنا، وهو الامر نفسه بالنسبة للتهديدات والخروقات الاسرائيلية.
والصيغة – المخرج التي ستعيد تعويم الحكومة وتفعيل دورها، ستكون ببيان يتم التأكيد فيه، ان لبنان لا يتدخل في شؤون الدول العربية، ويطالب بتطبيق بنود ميثاق جامعة الدول العربية، الذي يلتزم به لبنان، واكد عليه الرئيس عون، وكان لبنان السباق في محاربة الارهاب على ارضه منذ تسعينات القرن الماضي، ومن ابرزها معارك جرود الضنيه التي خاضها الجيش ضد «جماعة التكفير والتهجير»، مطلع عام 2000، ثم معركة مخيم نهر البارد بين الجيش «وفتح الاسلام» في العام 2007 الى القتال في عرسال وجرودها مع رأس بعلبك والهرمل ابتداءً حتى العام 2014، الى تحريرها هذا العام من تنظيمي «داعش» و«النصرة».
فالرئيس عون، نجح في تحويل ما سماه الرئيس الحريري بـ«الصدمة الايجابية» لاستقالته وتريثه عنها، في تعزيز الوحدة الوطنية، التي شكلت رافعة لعهده، تقول المصادر، حيث اجمعت كل الاطراف السياسية على ان رئيس الجمهورية، باتفاقه مع رئيس الحكومة ثبت التسوية، بدعم من رئيس مجلس النواب نبيه بري وقوى سياسية فاعلة، وهذا ما احبط محاولة ان تشكل الاستقالة منصة لتفجير الوضع السياسي والامني في لبنان، الا ان الوعي الوطني عند غالبية الاطراف السياسية، نأى بلبنان عن ان يربط ازمات الاخرين به، اذ لا ازمة داخلية يمكنها ان تؤجج الصراع، وتربطه بمحاور خارجية بالرغم من وجود تحالفات لقوى سياسية لبنانية مع دول لا سيما ايران والسعودية، وان التسويات الداخلية، كانت تتم تحت سقفهما، وهو ما دفع بالنائب وليد جنبلاط، الى نصيحة ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، الى ان يبادر الى الحوار مع ايران، لانهاء الازمة في اليمن، وهي نصيحة تصب في اطار، ان ليس لبنان هو من يستنزف السعودية في الحرب اليمنية التي عجزت دول في التاريخ عن الانتصار فيها، كما رأى جنبلاط في نصائحه، التي تسحب الضغط السعودي عن الحريري، وتبقي التسوية قائمة في لبنان، اذ تشير المصادر الى ان من حاول لها ان تنهار فشل، ليعاد البحث باخرى تحت عنوان انسحاب «حزب الله» من ازمات المنطقة، كما اعلنت «القوات اللبنانية» التي اكد رئيسها سمير جعجع من القصر الجمهوري بان التسوية ما زالت قائمة، وهو اعتراف منه، ان استقالة الحريري، فقدت صلاحياتها، وستبقى الحكومة الحالية التي لن ينسحب وزراء القوات منها.