بعد تعليق عمل مجلس النواب شهراً واحداً من خلال لجوء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى المادة 59 التي تعطيه الحق بذلك، افساحاً في المجال امام المعنيين لانتاج قانون انتخاب جديد، وبعد اقدام رئيس مجلس النواب نبيه بري الى دعوة المجلس للانعقاد في 15 ايار القادم وعلى جدول اعماله بندين لا ثالث لهما الاول اقتراح التمديد للمجلس النيابي سنة كاملة والثاني ادراج سلسلة الرتب والرواتب على جدول الاعمال، يبدو ان الموقفين لعون وبري لم يحركا مياه المستنقع السياسي ولم يفعلا الحركة لانتاج قانون انتخابي حيث لا حركة ولا بركة على صعيد طباخي القوانين التي كثرت من الاكثري والنسبي والمختلط وانعدم فيها التوافق على اعتماد اي منها، اضافة الى سقوط القانون التأهيلي الذي اخترعه وزير الخارجية جبران باسيل الذي بات يلقب «بوزير القوانين الانتخابية» التي لم يبصر واحداً منها النور، في وقت اعلن فيه بري اثر لقاء عين التينة عن ان حظوظ النسبية الكاملة تتقدم. في وقت يصر فيه «التيار الوطني الحر» على اعتماد قانون باسيل الاخير الذي لم يلق موافقة من كافة الاطراف وفي طليعتها الثنائي الشيعي و«القوات اللبنانية» و«تيار المستقبل» ومعظم مكونات فريق 8 آذار.
الا ان اللافت على المسرح السياسي التعطيل الذي اصاب الحكومة التي مع عودة منطق تعطيل المؤسسات الى الواجهة وفق الاوساط المواكبة للمجريات وما اثار هواجس وقلق المعنيين الكلام الذي اطلقه باسيل بعد اجتماع تكتل الاصلاح والتغيير في الرابية واعلانه ان لا اجتماعات لمجلس الوزراء، الامر الذي يعني تعطيل الحكومة بعد تعليق جلسات المجلس النيابي شهراً كاملاً.
وتضيف الاوساط ان تصريحات باسيل تركت استياءً عارماً لدى معظم الاطراف وصلت اصداؤه الى بعبدا على خلفية ان الرجل تصرف وكأنه رأس البلاد، في وقت تشير فيه مصادر مقربة من القصر الجمهوري ان عون سيدعو مجلس الوزراء للانعقاد يوم السبت في الاسبوع المقبل، وان تعطيل الحكومة لا يكون بتصريح من هنا او موقف من هناك ومن اراد ان يقاطع الجلسات فليتحمل هو التبعات الناجمة عن ذلك، في وقت يعرب فيه طرف مسيحي قوي عن قلقه من ان يؤدي التجاذب الحاصل حول قانون الانتخاب الى تجاذب حول مصير الحكومة، بحيث ان ربط مصيرها بقانون الانتخاب يندرج في خانة اللاسلطة بعد تعليق عمل البرلمان، وان قبله بري على مضض، الا انه في سره لا يخفي استياءه من هذا الاجراء. وكان بري قد حذر في لقائه الاسبوعي مع النواب من الوصول الى الفراغ لانه «لا مصلحة لاحد في ان نصل الى جلسة 15 ايار من دون وجود قانون جديد للانتخابات» طالباً من الحكومة «متابعة جلساتها لانجاز واقرار مشروع القانون واحالته الى المجلس».
وتشير الاوساط الى ان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي لا يخفي قلقه من اللامبالاة التي يتصرف فيها المعنيون حيال انتاج قانون انتخابي جديد كون البلد لا يحتمل خضات وسط محيطه المشتعل. مطالباً بانجاز الاستحقاق الانتخابي وفق قانون الستين اذا لم يتوافق الاقطاب على قانون جديد، لان التمديد للمجلس النيابي هو اغتصاب للسلطة بكل ما تعنيه الكلمة وفق الراعي، واذا كان البعض يرفض هذا القانون فانه يريح اطراف اخرى وفي طليعتهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي ينادي به جهاراً لا سيما وان القانون التأهيلي لا يسمح له بايصال اي من مرشحيه، بل يعتبره مقتلاً له بكل ما للكلمة من معنى، واذا كانت حجة البعض بان الستين كرس «المحادل» الانتخابية فان اي قانون آخر سيكرس محادل جديدة بطريقة او باخرى، ويخلق اقطاعاً فتياً على حساب البيوتات السياسية، فهل ينجح المعنيون بالوصول الى قانون لا يلغي احداً يخرج البلد من عنق الزجاجة ويمنعه من الانزلاق القاتل، وهل يتدخل عون في اللحظة المناسبة لينقذ الاستحقاق النيابي وفق قانون جديد كونه رجل المفاجاءات؟ بعضهم يتحدث عن «طبة» رئاسية تنهي المأزق الراهن.