لم ينقطع التواصل بين الرئيس ميشال عون وقيادة حزب الله، «قنوات» الاتصال المعتادة ما تزال «شغالة» بنفس الزخم، انجاز الاستحقاق الرئاسي لم يغير الكثير، «الثقة» تعمقت، التشاور بات اكثر عمقا، والملفات باتت اكثر اتساعا وشمولية… لكن المفارقة ان الزيارة الخارجية الاولى للرئيس الى السعودية مطلع الاسبوع المقبل وبعدها الى الدوحة، لم تأخذ اي حيذ في النقاشات بين الجانبين، اراح الحزب حليفه من «عبء» تقديم اي ايضاحات، عبر تفهمه العلني، وفي الكواليس، لهذه الخطوة… خاب ظن الكثيرين من هذه الايجابية وبدأت رحلة البحث عن جواب على سؤال مركزي، لماذا لا يشعر حزب الله باي نوع من «الحساسية» ازاء اختيار الرئيس زيارة السعودية اولا…؟
ببساطة شديدة لان الحزب يهتم بالنتائج والمضمون وغير معني «بالفلكلور» او ما يسمى في السياسة «بالقشور»، وبحسب اوساط قيادية بارزة في 8 آذار، ما يمكن ان يقدمه رئيس الجمهورية للمملكة معروف مسبقا، وما عجزت ان اخذه منه ثمنا كي يصل الى رئاسة الجمهورية، لن تستطيع ان تحصل عليه بعد دخوله الى قصر بعبدا، القيادة السعودية تدرك ذلك، وقد اصابها «اليأس» من رجل جربته في مختلف الفصول والعصور، في لحظات ضعفه لم يحد «قيد انملة» عن قناعاته السياسية والاستراتيجية، هو اليوم يدخل المملكة من موقع قوة لا ضعف، ليس في موقع استرضاء المسؤولين السعوديين في شيء، جلّ ما سيحمله معه في العنوان السياسي ان تستمر السعودية بالتحلي بـ«الواقعية» التي ادت مؤخرا الى انطلاق «قطار» المؤسسات الرسمية اللبنانية، لا يملك بين يديه ما يمكن ان يقدمه لارضاء «شطحات» بعض الرؤوس الحامية في المملكة، الاجوبة ستكون نفسها حول حزب الله ودوره في الداخل وفي سوريا، اذا سئل عن ذلك؟ ما لم تستطيع الرياض سابقا بادواتها الداخلية، ومع حلفائها في الاقليم والعالم تحقيقه، لن تتجرأ وتطلبه من رئيس الجمهورية ذات هوية سياسية واضحة المعالم…
وفي هذا السياق، اذا ارادت المملكة ان تتعامل مع الوقائع المستجدة في لبنان بايجابية تضيف الاوساط، بمعزل عن موقفها المعادي لحزب الله، فيمكن ان تكرم الرئيس ببعض خطوات «حسن النية»، ردا على «تكريمها» بمنحها «شرف» اول زيارة خارجية في العهد الجديد، على الرغم من تراجع دورها وتأثيرها في المنطقة كدولة اقليمية وازنة، ومن هذه الخطوات رفع الحظر عن الهبات المالية المخصصة لتسليح الجيش اللبناني، ورفع الحظر عن سفر السعوديين الى لبنان، وازالة العقبات والعراقيل امام رجال الاعمال، واعادة تدوير عجلة الاستثمار بين البلدين، وغيرها من الخطوات التي تعرف مسبقا انها ستكون «مجانية»، لان الرئيس لا يريد، ولا يملك اصلا بين يديه، ما يمكن تقديمه في المقابل، خصوصا ان السعودية قد نالت «جائزة ترضية» لا تستحقها، باسناد رئاسة الحكومة الى الرئيس سعد الحريري! وعند هذه النقطة الجوهرية يدرك المسؤولون السعوديون ان الرئيس عون ليس «مهجوسا» برد اي «جميل» للمملكة لانها سهلت عملية التوافق السياسي على الساحة اللبنانية، هو يعرف وهم يدركون انهم وافقوا على التسوية «مجبر اخاك لا بطل» بعد وصول رهاناتهم الداخلية والاقليمية الى حائط مسدود، وانهيار «القوة الضاربة» اللبنانية في مواجهة حزب الله، وهذا ما يجعل الرئيس مرتاحا من بعض الاعباء خلال الزيارة، كانت ستكون متعبة على المستويين الشخصي والسياسي.
وفي هذا السياق، تؤكد اوساط دبلوماسية في بيروت، ان اعطاء الزيارة اكثر من حجمها قد يضر بنتائجها، اذا ما جاءت الخلاصات متواضعة، فمن يراهن على لعب الرئيس عون دورا في «رأب الصدع» بين ايران والسعودية، يتعامل مع الوقائع بكثير من التبسيط والجهل بعمق الخلافات المستحكمة في المنطقة، فالمشكلة لا ترتبط فقط بعدم امتلاك الرئاسة اللبنانية «الاوراق» المؤثرة في «لعبة» تتجاوز قدرتها على التأثير، بل بعدم وجود رغبة سعودية في مد «الجسور» مع طهران، حتى الان لم تعط القيادة في المملكة اي مؤشر ايجابي يوحي بانها تريد «اغلاق» ملف الصراع الاقليمي في المنطقة، لا تشعر انها في موقف يسمح لها بفتح قنوات حوار مباشرة او جانبية مع ايران، ليس لانها في موقع قوة، بل لانها تشعر بضعف قد يتطلب منها تقديم تنازلات لا تريدها في اليمن والعراق وسوريا، «الواقعية» في لبنان بالنسبة اليها «تفصيل» صغير في معركة خسرتها ولم يكن لديها بديل سوى تقليل الخسائر، ثمة رهانات مستمرة على تحسن الوضع في سوريا، ولا تزال تعاند على الساحة اليمنية غير القابلة للمساومة بالنسبة اليها، لادراكها ان الهزيمة هناك، لن تمر مرور الكرام في معركة تدور «داخل المنزل»… ثمة رهان على الوقت لتحسين شروط اي تسويات مفترضة، وعندما تقرر الرياض المضي في هذا «الطريق» فمن المستبعد جدا ان تعطي هذا الدور للرئيس اللبناني، هي تفضل وسطاء دوليين واقليميين قادرين على تقديم ضمانات وتستفيد منهم في «لعبة «البيع والشراء»..
لكن عدم رغبة السعودية في منح دور اقليمي مؤثر للبنان، لا يغير من الوقائع شيئا تضيف الاوساط، فثمة دلالة شديدة الاهمية في توقيت الزيارة، الرئيس عون يذهب الى الرياض وبعدها الى الدوحة، ليس بحثا عن شرعية اقليمية، كما يدعي بعض الاعلام الخليجي، شرعيته مستمدة من الداخل ومن طبيعة تحالفاته، ويشعر الان انه اكثر قوة من مضيفيه، خياراته الاستراتيجية تنتصر في المنطقة، حليفه حزب الله جزء من المعادلة الاقليمية، ودوره المؤثر يجعل منه لاعبا اساسيا على «الطاولة»، الرئيس اللبناني متحرر من الضغوط، بينما تعيش القيادات الخليجية تحت ضغط التطورات الدراماتيكية في المنطقة وخصوصا سوريا، فمنذ تحرير حلب، يعيش هؤلاء، قلقا متصاعدا، ومع اقتراب المفاوضات المفترضة في 23 من الجاري في مدينة آستانة، وقرب استلام الرئيس الاميركي دونالد ترامب السلطة، تتعز المخاوف من «العزلة»، خصوصا ان الإيرانيين رفضوا إشراك السعودية في مفاوضات الآستانة، في حين اعتبر الروس مشاركتهم «مفصلية» دون أن يوضحوا في أي مرحلة من «خريطة الطريق» سيحصل ذلك، فيما يحرص الاتراك على ابعاد اي شريك «مضارب» في المفاوضات ويريدون التفرد في قرار المعارضة السورية، ولذلك تحاول الرياض تخريب التسوية لانها ترى ما يجري في الآستانة مؤتمرا لفرض توقيع الاستسلام على تركيا والقوى السورية المعارضة، هي تدرك جيدا ان انقرة في وضع ضعيف، وتثبيت وقف إطلاق النار في كل سوريا، يفيد النظام السوري ولا يخدم المعارضة في شيء، الانقسامات ستؤدي الى مواجهات بين فصائلها، ومعظم المناطق المؤثرة محاصرة، مشروع استفراد المجموعات المسلحة مستمر، وفي نهاية المطاف ثمة شعور بان «الورقة» السورية باتت آيلة للسقوط، وهذا سيكون تحولا استراتيجيا في موازين القوى في المنطقة.
وانطلاقا من هذه المعطيات الداخلية والاقليمية، ينطلق رئيس الجمهورية في اولى رحلاته الخارجية محصنا «باوراق قوة» ستكون مفيدة اذا ما تم استخدامها «بحنكة» وواقعية، تجنب اثارة الملفات الحساسة قد يكون مفيدا للطرفين، لا تستطيع الرياض او الدوحة تغيير استراتيجية الدولة اللبنانية الراهنة المصطلح على تسميتها «نأي بالنفس»، هي تدرك انها «اسم على غير مسمى»، لكنها لا تملك الا خيار «التطنيش»، وهو خيار سينتهجه رئيس الجمهورية الذي «سيطنش» ايضا عن فتح ملف دعم تلك الدول للتنظيمات «التكفيرية» في المنطقة ولبنان، وهذا ما سيحول الرحلة في بعدها السياسي الى مجرد زيارة «مجاملة»… ولهذا لا يشعر حزب الله بالقلق؟