Site icon IMLebanon

عون إقترحَ «الثالوث القوي» فرفضَه الخارج

 

أسَرَّ أحدُ الزوّار السياسيين العائدين من واشنطن بعد توقيع الاتّفاق النووي بين إيران والدوَل الغربية لبعض أصدقائه أنّ مسؤولين أميركيين التقاهم قالوا له «إنّ ما بعد هذا الاتّفاق سيكون غيرَ ما قبله، فقبلَه كان هناك نفطٌ كثير وتكفيرٌ قليل، وبعده بات هناك نفطٌ قليل وتكفيرٌ كثير»…

يقول قطبٌ سياسيّ إن وقتاً ليس بقصير سيمرّ قبل أن تتبلور مرحلة ما بعد الاتفاق النووي بطبيعتها لبنانياً وإقليمياً ودولياً، وإنّ أيّ معالجة لن تبدأ لأيّ أزمة أو ملف من ملفات المنطقة وأزماتها، ما لم تجلس المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية الى طاولة المفاوضات للتفاهم في ما بينهما على كل القضايا الاقليمية التي يتعاطيان معها، أو هي موضع نزاع بينهما، مباشرةً أو مداروة. ولكن حتى الآن ليس هناك ايّ مؤشرات او معطيات حول إمكان انعقاد لقاء قريب على أيّ مستوى بين البلدين.

فطهران بعد اتفاقها النووي مع الدول الغربية غير مهتمّة الآن إلّا بأوضاعها الجديدة بعد هذا الاتفاق، وهي تشهد حاليّاً هجمةً استثمارية كبرى عليها، حيث تغصّ فنادقها بمئات الوفود من الشركات الأجنبية المختلفة الأحجام والقدرات التي جاءت لاستكشاف المجالات الايرانية التي يمكنها الاستثمار فيها بعدما رُفِعت، أو سيبدأ رفع القيود والعقوبات الدولية عنها، خصوصاً بعدما تبنّى مجلس الامن الدولي خلال جلسته الاخيرة الاتفاق النووي وملحقاته بالإجماع.

والرياض من جهتِها مهتمة بمواجهة إيران، سواءٌ على جبهة اليمن، أو على الجبهتين العراقية والسورية وغيرهما، وفي الوقت نفسِه مواجهة واشنطن نفسها، لأنّه لم تتّضح لديها بعد معالم مرحلة ما بعد الاتفاق النووي ومكاسبها منه، سواءٌ على مستوى مصالحها المرحلية والاستراتيجية أوعلى مستوى دورها الإقليمي المستقبلي.

ولذلك يَعتقد القطب أنّ المؤشرات تدل الآن الى أنّ وصول «ترياق» الاتفاق النووي الى لبنان قد يتأخّر الى حين تبلور ما سيكون عليه الموقف بين الرياض وطهران، وإن كان الجميع يتمنّى ان يحصل التلاقي، أو التواصل على الأقلّ، بين هذين البلدين الكبيرين في اقرب الآجال بعدما بلغَت الأزمة اللبنانية مراحلَ خطرة يمكن ان تدخلَ معها بلاد الأرز في فراغ دستوري كامل، خصوصاً أنّ البعض بدأ يلمّح الى احتمال إستقالة الحكومة أو تعطيلها كلّياًُ في ضوء الخلاف الدائر حاليّاً بين «التيار الوطني الحر» ومن خلفَه بعض حلفائه في فريق 8 آذار، وبين رئيس الحكومة تمام سلام وخلفَه تيار «المستقبل» وحلفاؤه في فريق 14 آذار، على طريقة ممارسة الحكومة صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة وآليّة اتّخاذ القرارات في مجلس الوزراء في ظلّ الشغور الرئاسي المتمادي.

ويرى القطب انّه في الوضع السائد، وفي ضوء المعطيات المتماثلة لا يمكن أحد بعد ان يتكهّن بحصول ايّ تطوّرات تدفع الى التفاؤل بإمكان المباشرة في حلّ الأزمة اللبنانية بدءاً بإنتخاب رئيس جمهورية جديد، ولكنّ الآمال تبقى معقودة على التواصل السعودي ـ الإيراني الموعود، لأنّ هناك استحالة داخلية في حصول أيّ توافق داخلي على إنجاز الاستحقاق الرئاسي.

وفي هذا السياق يُلقي القطب باللائمة على فريق 14 آذار متّهِماً إيّاه بتعاطٍ «غير بنّاء» وبمنطق «عدم اعتراف» مع رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، فهو يرفض ترشيحَ عون لرئاسة الجمهورية في المطلق، ولكنّه في المقابل لا يطرح مع عون أيّ بدائل يمكن الأخير أن يجدها قابلة للبحث، بل دائماً يتعاطى معه بمنطق الرفض والرفض، ما دفعَه للنزول الى الشارع في موازاة حضوره على طاولة مجلس الوزراء لمواجهة خصمِه تيار «المستقبل» وحلفائه في ما يشبِه «حرب اعتراف» به متجاوزاً ترشيحَه الرئاسي. فالمسالة عنده باتت مسألة حقوق مستحقّة له كقوّة سياسية تمثيلية كبيرة في الساحة المسيحية ولا ينبغي على أيّ فريق أن ينكرَها.

ويروي هذا القطب أنّ عون، ومن دون أيّ تنسيق مسبَق مع حلفائه وعلى رأسِهم حزب الله، عرضَ على الرئيس سعد الحريري ان يقبل به رئيساً للجمهورية وأن يكون هو رئيساً للحكومة الى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري، بحيث يكون الوطن مَقُوداً بـ»ثلاثة أقوياء» أو ما يمكن تسميتُه «الثالوث القوي» في العهد الرئاسي الجديد.

وقد ردّ الحريري على هذا العرض قبولاً ولكنّه لم يُقبَل لدى الجهات الإقليمية الحليفة لزعيم تيار «المستقبل» بسبَب العلاقة التحالفية القائمة بين عون وحزب الله الذي يَعتبره حلفاء الحريري بأنّه «ذراع إيرانية» في لبنان والمنطقة، ويومها قيل إنّ الحوار الذي دار على مدى أكثر من ثمانية أشهر بين الرَجلين مباشرةً حيناً وبين ممثليهما أحياناً قد انتهى إلى فشَل.

ولا يستبعد القطب أن يتلقّى عون في أيّ وقتٍ عرضاً من معارضي ترشيحِه يبلّغونه فيه قبولَهم به رئيساً للجمهورية بشرط فكّ تحالفه مع حزب الله ومِن خلفه إيران، لأنّ أبواب المواجهة الدائرة بين الرياض وطهران ما تزال مشرّعة ولا تشير المعطيات الى أنّها ستقفَل قريباً، على رغم اعتقاد البعض بأنّ توافر حلّ للأزمة اليمنية يكون للمملكة العربية السعودية الباع الطويل فيه يمكن ان يفتحَ باب التفاوض والتلاقي بينها وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية للتعاون على حلّ الأزمات الاقليمية الأُخرى.

ولذلك ينبغي مراقبة التطورات العسكرية الجارية في اليمن هذه الأيام، وفي عدن تحديداً، فإذا استقرّت الاخيرة في يد قوات الرئيس عبد ربّه منصور هادي التي يدعمها التحالف الذي تقوده الرياض والتي تحقّق فيها تقدّماً عسكريا ملحوظاً، يمكن ان يكون ذلك مؤشّراً إلى الحلّ الذي يُرضي الجانب السعودي.

أمّا إذا تغيَّرَ مسار المعركة وتمكّنَ الحوثيون وقوات الرئيس السابق علي عبد الله من استعادة المناطق العدنية التي خسروها، فإنّ ذلك سيكون مؤشراً الى أنّ حرب اليمن ستطول أكثر، ما سيؤخّر أيّ تلاقٍ سعودي ـ إيراني، وكذلك سيؤخّر الحلول للأزمتين العراقية والسورية اللتين بدأتا تشهدان هذه الأيام مزيداً من التصعيد العسكري في مختلف ميادينهما، فضلاً عن تأخّر حلّ الأزمة اللبنانية التي قد تشهد فصولاً من التصعيد السياسي في قابل الأيام والأسابيع، في ضوء تحرّك «التيار الوطني الحر» في الشارع وتلويحه بتعطيل جلسات مجلس الوزراء.

على أنّ القطب السياسي نفسَه، وعلى رغم الأجواء الثقيلة التي ما تزال تسود المنطقة عموماً بعد الاتفاق النووي، يَعتقد أنّ المعركة المرتقبة في جرود عرسال لإنهاء وجود المسلّحين المتطرفين فيها ويكتمل معها خلوّ الحدود اللبنانية ـ السورية من هؤلاء، والمتوقّع أن تظهر مؤشّراتُها بعد انتهاء معركة الزبداني، قد تحمل في مطاويها بعضَ المعطيات التي قد تعَجّل بإنجاز الاستحقاق الرئاسي، ربّما في أيلول المقبل، خصوصاً إذا حظيَت المعركة في تلك الجرود بتغطية سياسية لبنانية شاملة.