في الوقت الذي يجتمع المجلس الدستوري اليوم للنظر في الطعن المقدم من التيار الوطني في التمديد لمجلس النواب، صدر موقف عن زعيم التيار العماد المتقاعد ميشال عون أعاد فيه النظر بترشحه للإنتخابات الرئاسية، ليس على أساس أنا أو لا أحد، بل على أساس آخر مشروط يقول إنه يقبل بالنزول الى مجلس النواب لانتخابه هو أو خصمه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وتبين من خلال هذا التغيير أن في الأفق طبخة سياسية لم يأخذ بها الى الآن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط الذي يصر في مقابل ما تقدم على أن يبقى مرشحه النائب هنري حلو في سياق العملية الإنتخابية «عملاً بالنظام الديموقراطي» (…)
هل إنتهت مشكلة الرئاسة الأولى، أم ان الأمور ستبقى عالقة بانتظار معرفة مواقف رؤساء الكتل من إقتراح عون الذي تقول أوساطه انه يمكن أن يضمن الرئاسة في حال أعطاه جنبلاط وكتلته أصواتهم، وهذا قد لا يكون مستبعداً، حيث يقال أنه لولا نضوج الطبخة الرئاسية من مختلف جوانبها لما كان عون قد قبل بحضور جلسة الإنتخاب التي تبقى معقدة حتى إشعار آخر خوفاً من أن يغير الجنرال رأيه في اخر ساعة، من غير حاجة لأن يكون قد نزل عند تهديد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي باستخدام عصاه لإنجاز الإنتخابات الرئاسية؟
الذين في صف الجنرال «على العمياني» يقولون أنه لو لم يعرف مسبقاً ان الرئاسة ستؤول إليه، لما كان قد غير رأيه بمعدل مئة وثمانين درجة، لاسيما أن الدعوة الى الإنتخابات ليست بعيدة (في العاشر من كانون الأول) أي أن موعدها لا يتعدى العشرين يوماً، الأمر الذي يستحيل على عون وجماعته اللعب على التناقضات، إن جاءت من خصمه سمير جعجع أو من نصف خصمه وليد جنبلاط الذي تقول أوساط أنه سيتمسك بالمرشح هنري حلو الى اللحظة الأخيرة، طالما أنه مقتنع بأن اللعبة الديموقراطية هي الأساس في إنتخابات رئاسة الجمهورية؟!
ماذا يقول الأقطاب المسيحيون عن تغيير العماد عون موقفه من مقاطعة جلسات إنتخاب الرئيس مع حليفه حزب الله الذي يعرف بدوره أن مجيء جعجع الى الرئاسة سيشكل تعقيدات سياسية ودستورية – قانونية بالنسبة اليه، حيث لابد من أن يتابع جعجع القول انه مع إنسحاب الحزب من الحرب السورية، ومع إزالة السلاح غير الشرعي الذي يتمسك به بوجه غير حق يتعارض مع موقف الدولة ومع إتفاق الطائف الذي أقر حل الميليشيات وتسليم سلاحها الى الدولة، وهذا ما حصل جدياً من قبل القوات اللبنانية والحزب التقدمي الإشتراكي وحركة أمل، مع ما يعنيه ذلك بالنسبة الى جميع الأحزاب المسيحية (…).
هل سيقبل حزب الله، بمطالب جعجع، أم أنه ينتظر ان يفوز عون بالرئاسة، من غير أن يقارب ما يؤثر على علاقته الوطيدة مع الحزب، وهذا يبقى من ضمن التأويل السياسي الذي يتطلب إعادة نظر شاملة بالنسبة الى أمور سياسية كثيرة في مقدمها سلاح حزب الله، إلا إذا كانت هناك برمجة لوضعه بتصرف الجيش، بما في ذلك تخلي الحزب تلقائياً عن سلاحه على أمل إنشاء «أنصار الجيش»الذي سيكون الفصيل البديل الموقت عن الحزب ومؤسساته العسكرية التي قاربت ان تكون جيشاً مكتمل العدد والعدة.
المهم في هذا المجال ان لا يعود العماد عون الى تغيير موقفه من الإنتخابات الرئاسية، إلا إذا وجد في استمرار ترشيح هنري حلو بالأمر الذي سيتكل عليه للقول انه لن يقبل بانتخابات رئاسية تضم غيره وغير سمير جعجع الذي تقول أوساطه انه فوجىء كثيراً بما صدر عن عون، باستثناء ما تردد على لسان رئيس مجلس النواب من أن إنفراجاً قريباً سيحصل بالنسبة الى الإنتخابات الرئاسية، وليس أفضل من هكذا إنفراج كي يبشرنا به الرئيس نبيه بري ومن هو على قرب منه!
أما الأكثر أهمية بالنسبة الى مفاجأة عون، فهي إجراء الإنتخابات الرئاسية في العاشر من كانون الأول المقبل، حيث سيقال الكثير عن أن الرئيس العتيد قد لا يكون مرتاحاً الى وضعه طالما أن الظروف السياسية لن تسعفه في مجال مجالسة حزب الله والبحث معه في شروط إنسحابه من الحرب السورية والتخلي عن السلاح غير الشرعي، وهذه الأمور من سابق أوانها أن تكون محل بحث قريب مهما إنتهت إليه الإنتخابات الرئاسية؟!