Site icon IMLebanon

عون يوقف «الدوشكا» مسيحيّاً… وجنبلاط يساوِمه درزيّاً

 

ليس بالضرورة أن يكون اشتباكُ النائب وليد جنبلاط مع العهد و»التيار» عاملَ عرقلةٍ للحكومة. على العكس، هو يؤدّي ربما إلى بلورة الحدود بين الحصص، فيعرف كلُّ طرفٍ حَدَّه ويقف عنده. ولكن، بالتأكيد، سدَّد جنبلاط «ضربة معلّم»، ووجّه رسائلَ في اتّجاهاتٍ متعددة: معي أنا تتفاوضون!

أراد الزعيم الدرزي، الآتي من السعودية، أن يريحها بالقول إنه لن يسمح بخرق المقاعد الدرزية في الحكومة، وسيمنع وصول درزي من 8 آذار. كما أراد إظهار «عضلاته» أمامها في قدرته على خوض المعارك في وجه العهد، وتالياً 8 آذار، فيما حليف السعودية الأساسي، الرئيس سعد الحريري، يحرص على مهادنة «التيار» بل يحالفه ويتقاسم معه المكاسب.

أيضاً، أراد جنبلاط أن يقول لعون: لا تلعبوا بالحصة الدرزية إذا كنتم لا تريدون أن يلعب أحدٌ من خارج الطائفة بالحصة المسيحية، وإذا كان الحريري قد سمّى كل الوزراء السُنّة في المسوّدة الأولى التي قدّمها، وإذا كان الثنائي الشيعي يحصر به تسمية كل وزراء الطائفة.

يعتبر جنبلاط أنه يمتلك الحقّ في تسمية كل وزراء الطائفة لأنه حظي بتمثيل كل المقاعد الدرزية في المجلس، ما عدا الوزير طلال إرسلان الذي انضوى ضمن تكتل «التيار» والعهد. وهكذا، فإنّ توزيرَه لم يعد وارداً إلّا بالمقايضة مع الحصة المسيحية المحسوبة لعون و»التيار».

وتبدو العقدة الدرزية عقدةً مسيحية أيضاً، خصوصاً بعدما عمد «التيار الوطني الحرّ» إلى «تدشيم» إرسلان بـ»أكياس رمل» مارونية لتكبير حجمه وحمايته وتبرير دخوله الحكومة. ولكن، على رغم ذلك، الأرجح أن يتمّ تجاوز المأزق الإرسلاني في اللحظة التي ينضج فيها التأليف، بالتوافق بين عون وجنبلاط.

ولا يمكن أن يرفض الحريري منطق جنبلاط لأنه هو نفسه، في هذه المسوّدة، قد تجاوز القوى السنّية الأخرى التي فازت في الانتخابات، وقام بتسمية وزراء الطائفة جميعاً… مع هامش للمقايضة بمقعد مسيحي بينه وبين عون.

والأرجح أنّ الحريري رفع السقف بتسميته الوزراء السنّة جميعاً ليتمكّن من فرملة التنازلات المطلوبة منه على مستوى التمثيل السنّي في الحكومة، بحيث يتنازل عن مقعد سنّي واحد، لا أكثر، مع إبقاء الباب مفتوحاً لوزير سنّي ثانٍ يسمّيه رئيس الجمهورية (طارق الخطيب)، مقابل ماروني يسمّيه الحريري (غطاس خوري).

وإمساك الحريري بغالبية الوزراء السنّة يلبّي «رغبة معيّنة» لدى بعض حلفائه، تسعى إلى الحدّ من تمدّد «حزب الله» في داخل الطائفة السنّية وعلى مستوى تمثيلها في المجلس والحكومة. لكنّ تفرّدَ الحريري بتسمية جميع الوزراء السنّة غير واقعي، إذ سيصطدم حتماً بقوى 8 آذار.

في تقدير هذا المحور الحليف، أن من غير العادل قيام الثنائي الشيعي متفرّداً بتسمية الوزراء الشيعة جميعاً ثمّ قيامه بتسمية وزراء سنّة أيضاً، وإن يكن بعضهم قد فاز بالمقعد النيابي بفضل طبيعة المعركة والقانون النسبي- التفضيلي، كالنواب فيصل كرامي وعبد الرحيم مراد وأسامة سعد.

ولذلك، يتحدث البعض عن مَخرج واقعي لعقدة التمثيل السنّي يمكن أن يُرضي الجميع. ووفق هذا المخرج، يتولّى الحريري تسمية غالبيّة وزراء الطائفة من تيار «المستقبل» والحلفاء الذين شاركوه الانتخابات، لكنه يترك المجالَ لتسمية وزير سنّي واحد على الأقل من صفوف القوى السنّية الأخرى، انعكاساً للتوازن الذي أفرزته الانتخابات.

وهناك خياران في هذا المجال: إما تسمية النائب فيصل كرامي أو آخر سنّي من حلفاء «حزب الله»، وإما تسمية وزير سنّي من فريق الرئيس نجيب ميقاتي. ويتردّد أنّ «المحور الحليف» يميل إلى الخيار الثاني باعتبار ميقاتي ليس من دائرة حلفاء «حزب الله». فضلا عن اعتماد هذا الخيار قد يجنِّب استفزازَ السنّة بتصوير أنّ «الحزب» يسمّي وزراءهم.

وأما في ما يتعلق بالعقدة المسيحية فيروي المتابعون أنّ الرئيس عون طلب من أركان «التيار الوطني الحرّ» أن يُهدّئوا الأجواء مع «القوات اللبنانية». ويقول أحد أركان «التيار»: الرئيس طلب منّا أن نوقف القتال، أن ننزل عن «الدوشكا»، لأنه يرغب في تحقيق تفاهم وتسوية سريعة لملف التمثيل المسيحي. و«القوات» هي نفسها أيضاً في جوّ الاستعداد لتسوية منطقية بينها وبين «التيار»، لأنها لا تريد أن «تكسر مزراب العين».

في الخلاصة، يقول العالِمون: الحلول سهلة لهذه العقد جميعاً. والمهم هو أن يتّخذ الحريري قرارَه بالتأليف. لكنه ينتظر أن تنضج الفكرة لدى المرجعيات العربية النافذة، بحيث تتقبّل حكومة تعكس نتائج الانتخابات، أي تميل فيها الكفّة لـ»حزب الله» وحلفائه. ويقول أحد المعنيين بالملف: «عِصْمَة» التأليف تبقى في يد الحريري وحده، ولا أحد سواه.

ويضيف: إنها من المرّات القليلة التي لا يبدو فيها أنّ هناك قوةً سياسية داخلية أو خارجية راغبة في إطالة أمَد التأليف. فالجميع يريد التسريع، وإن كان حريصاً على حفظ موقعه ومصالحه.

لذلك، إذا قرّر الحريري إعلان الحكومة بعد الفطر مباشرة، فذلك متيسِّر له، وإذا قرَّر «التطويل» لضرورات «التكتكة» السياسية، فذلك متيسّر له أيضاً. ولكن، يجب التذكّر بأنّ حدودَ «التطويل» المسموح بها للحريري تبقى معقولة زمنيّاً… أي ضمن هامش الأسابيع لا الأشهُر. وليتدبَّر كل طرفٍ أمورَه ضمن هذه المهلة.