IMLebanon

عون: العهد مُستهدف من الخارج والداخـــل.. وسأدعو للتظاهر عند الضرورة

 

 

 

خلافاً لرياح القلق والذعر التي اجتاحت اللبنانيين خلال الأيام الماضية، مع هبوب عاصفة الأزمة المالية، تسود الطمأنينة في مكتب الرئيس ميشال عون في القصر الجمهوري، حيث يمكنك أن تشعر بهدوء ما بعد العاصفة «المفتعلة» وفق تقديرات «الأرصاد السياسية» في بعبدا. من خلف طاولة مزدحمة بالملفات والاوراق، وبعضها «سرّي للغاية»، يسرد عون الوقائع ويفسّر الاحداث ويفك الشيفرات ويجمع الاستنتاجات، بعيداً من صخب التظاهرات ودخان «مطابخ الشائعات» التي يتهمها رئيس الجمهورية بتشويه الحقائق وتضليل اللبنانيين عن سابق تصوّر وتصميم. وأخطر ما يجري بالنسبة الى عون هو أنه يُراد لمشروع التخريب ان يمرّ هذه المرّة، عبر الاقتصاد، «حيث يحاول المتورطون فيه ان لا يتركوا خلفهم بصمات واضحة تدلّ الى هويتهم، إلا أننّا أمسكنا بالخيوط الكافية لمعرفتهم وإحباط مخططهم». وعلى الرغم من صعوبة المرحلة، لا يتخلّى عون عن ابتسامته، فيمرّر بين الحين والآخر «قفشات» لا تخلو من الرسائل والدلالات السياسية. ويؤكّد على ما ينقل عنه زواره، انّه لن يحصل انهيار مالي واقتصادي كما يتخوّف البعض، ويدعو اللبنانيين الى عدم الخوف والذعر وتجنب الانجراف خلف موجة التهويل والشائعات التي يجري توجيهها عن بُعد.

 

لا تقلقوا

 

ويؤكّد عون انّه من موقعه المسؤول كرئيس للجمهورية، يُطمئن الشعب اللبناني الى انّ الوضع تحت السيطرة، وانه «لا مبرّر للرعب الذي ساد خلال الأيام الماضية، لأنّه ينطلق من أوهام وفرضيات، تكذّبها الحقائق الموضوعية والوقائع المالية التي تبلّغتها من اصحاب الاختصاص والخبرة».

 

ويشير أمام زواره، الى أنّ المعنيين بالملف المالي والنقدي أكّدوا له أنّ الامور الأساسية متوافرة وثابتة، «إلاّ انّهم اشتكوا من تداعيات التشويش والضغط المتأتيان من بعض الاعلام والسياسيين»، مشدداً على أنّ هناك «جهات سياسية واعلامية تُضخّم الازمة وتستثمر فيها لحسابات خاصة وضيّقة».

 

ضميري مرتاح

 

ويتوقف عون باستغراب عند «الفلتان الأخلاقي لدى البعض، والذي انعكس شتماً وإهانة لرئيس الجمهورية، تحت شعار الاحتجاج على الاوضاع السائدة»، لافتاً الى انّه محصّن على المستوى الشخصي ضد كل هذه الاساءات والحملات التي لا تهزّه، لأنّ «ضميره مرتاح ويديه نظيفتان»، لكن المسألة التي تهمّه هي «المحافظة على هيبة رئاسة الجمهورية وصورة الدولة، لأنّ محاولة تهشيمهما والطعن بهما تتجاوز في تأثيراتها السلبية حدود الأشخاص لتصيب المؤسسات».

 

ويلاحظ زوار عون، أنّ بعض الاجهزة الامنية والقضائية اغفلت عن ملاحقة المسيئين الى رئيس الجمهورية، «على الرغم من انّ قادة الاجهزة يعرفون انّه القائد الأعلى للقوات المسلحة، اي رئيسهم، ولا يجوز ان يغضوا الطرف عمّن وجّه الاهانات والاساءات الى موقع الرئاسة، وعن ضرورة تطبيق القوانين المرعية الاجراء في هذا المجال وصولاً الى توقيف من يخالفها، وإلّا فانّ البديل هو تعميم الفلتان والفوضى، وهذا ما لا يمكن ان يسمح به».

 

مقام الرئاسة

 

ويشدّد عون، تبعاً لزواره، على انّه يحترم حق التظاهر الذي هو حق مقدّس، «إلاّ انّ احترام هذا الحق لا يعني السماح باستباحة مقام رئاسة الجمهورية»، منبّهاً الى انّ «الزعران يتسلّلون الى صفوف الاوادم ويتلطون خلفهم لافتعال الشغب واطلاق الهتافات المشينة، في سياق استهداف سياسي يتجاوز السقف المطلبي».

 

ويعتبر أنّ التظاهر في هذه المرحلة غير مفيد، «لأنّ الدولة منكبّة على معالجة ما يشكو منه الناس من جهة، وكي لا يتسلل اصحاب الاجندات المشبوهة داخلياً وخارجياً الى الشارع لاستغلال المطالب، من جهة ثانية»، وعندما تصبح هناك حاجة الى رفع الصوت والتحرّك في الشارع، فلن يتردّد رئيس الجمهورية، وفق تأكيد زواره، في دعوة الناس الى التظاهر حيث يجب ومحاسبة المسؤولين الحقيقيين عمّا وصل اليه لبنان، «ولاسيما أنّ عون اكتسب اساساً شرعيته الشعبية والسياسية من الارض التي يعرفها جيداً وتعرفه جيداً».

 

المعالجة ممكنة

 

ويلفت عون، تبعاً للمطلعين على موقفه، الى انه لم يكن مسؤولاً عن عقود سابقة من السياسات الفاشلة والخيارات الاقتصادية الخاطئة التي أفضت الى تفاقم الازمة، وانه «تسلّم منذ ثلاث سنوات دولة غارقة في ازماتها المالية والاقتصادية وعمل على اخراجها منها»، ملاحظاً في المقابل انّ «اللبنانيين لم يستمعوا الى التحذيرات والنصائح التي اطلقها للتمعن في الحقائق المجرّدة والتدقيق في خياراتهم، إذ ما حصل أنّ جزءاً كبيراً منهم عاود انتخاب الاشخاص المسؤولين أساساً عن صنع الازمة وتورمها، ثم راحت هذه الشريحة لاحقاً تتذمر من الواقع المستنسخ الذي ساهمت، هي ولو جزئياً، في إعادة انتاجه».

 

ولا ينكر عون، حسب زواره، أنّ الوضع الاقتصادي والمالي صعب، «غير أنّ معالجته ليست مستحيلة، وكل المطلوب هو ان نخفف المصاريف والاعباء حتى الحدود القصوى لنتمكن من تخفيض العجز جدياً، وذلك بالترافق مع تنشيط الاستثمارات وتحقيق قفزات نوعية من الاقتصاد الريعي الى الاقتصاد المنتج، لأنّ الانتاج وحده هو الذي يؤمّن الحماية او الحصانة الحقيقية لليرة».

 

ويتابع عون امام زواره: « نعم.. الخروج من الازمة ممكن، ولو بشكل متدرّج، ويكفي، على سبيل المثال، أن ننتهي من معالجة ملف الكهرباء الذي يستنزف الخزينة، حتى نبدأ تلمس الفارق».

 

الدولار ممسوك

 

ويلفت رئيس الجمهورية الى أنّ الدولار ممسوك وموجود، «ومع ذلك يجب التشجيع على التداول بالعملة الوطنية في كل النواحي، بل ينبغي أن يكون استخدامها الزامياً وفق قانون النقد والتسليف الذي يتضمن عقوبات في حق من يهدّد سلامة النقد الوطني ويمتنع عن استعماله».

 

ويستعيد سيناريو إسقاط بنك «أنترا» الذي تهافت عليه المودعون بكثافة لسحب ودائعهم تحت وطأة الهلع، وصار كل منهم يتأثر في سلوكه بالآخر، «ما أدّى الى انهيار البنك الذي اصبح في نهاية المطاف عاجزاً عن تلبية احتياجات كل زبائنه الذين تدفقوا عليه في وقت واحد»، لافتاً الى انّ هناك، على ما يبدو، من يريد تعميم تجربة «انترا» على الدولة اللبنانية ككل.

 

استهداف منهجي

 

ويكشف رئيس الجمهورية، كما يروي الزوار، انّ في حوزته «مؤشرات مقنعة ومتينة تفيد أنّ جانباً من احتجاجات الشارع لم يكن بريئاً، وان هناك من تولّى توجيهها وتوظيفها سياسياً، وانّ التحقيقات بيّنت أنّ أرقاماً هاتفية خارجية، عابرة للحدود، تواصلت مع البعض في الداخل خلال التحرّكات الاخيرة».

 

ويشير الى أنّ هناك استهدافاً منهجياً للعهد، بتحريض من جهات في الخارج واستجابة من قوى في الداخل، و»أنا موجود الآن في قلب المعركة، أخوضها بقوة وثقة دفاعاً عن المصالح العليا للشعب اللبناني، وكل ما أطلبه من هذا الشعب ان يقف على الحياد، إذا كان لا يريد ان يشاركني في هذه المعركة».

 

ويؤكّد حسب الزوار، انه معتاد على ان يواجه بمفرده أياً تكن التبعات، «متسلحاً بالحق الذي هو أفضل وأقوى حليف»، وانّ «تاريخه يثبت ذلك، وكذلك خطابه الاخير في الامم المتحدة، حيث جاهر من قلب الولايات المتحدة والمنظمة الدولية بقناعاته الوطنية التي يبدو ان هناك من انزعج منها، وترجم هذا الانزعاج على طريقته».

 

انا والاسد

 

ويشدّد عون أمام زواره على أنه لن يتنازل أو يتراجع عن خياراته وثوابته مهما اشتدت الضغوط، لافتاً في معرض ضرب المثال، الى انّه كان قد «تلقى في الماضي رسالة من الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد يبلغه فيها بأنه سيكون رئيس الجمهورية، فأجابه: ولكن، رئيس لأي جمهورية؟ ومن بعدها دفع ثمن هذا الموقف، وتعرّض للهجوم والنفي في محاولة لشطبه من المعادلة، ومع ذلك لم يخضع ولم يساوم على مبادئه».

 

ويستهجن إصرار بعض المشاركين في السلطة على اعتماد الخفة في مقاربة التحدّيات الداهمة، سواء عبر السعي المستمر الى تصفية حسابات سياسية وشخصية، أو من خلال التمسّك بمكتسبات منتفخة ومتراكمة، «من دون الأخذ في الاعتبار دقة الظروف الحالية وواقع الدولة التي لا يجوز الاستمرار في إرهاقها بأعباء وتنفيعات لم تعد لدينا قدرة على تحمّلها».

 

ويرى عون، انه في اللحظة المناسبة، سيرفع وتيرة التصدّي للمعرقلين والمعطلين ما لم يرتدعوا،»فأنا اتحكّم بتوقيت المواجهة ومنحاها، ولست من الذين يجري استدراجهم اليها». ويلفت الى انّ الحكومة ورئيسها سعد الحريري مستهدفان أيضاً، بدءاً من التسريبات المشبوهة حول ضرورة استقالة الحكومة، وصولاً الى التصويب على شخص الحريري.

 

وينتقد سلوك مكونات معينة في مجلس الوزراء، «تضع قدماً في البور وأخرى في الفلاحة، بحيث انّها تمارس المعارضة من داخل الحكم لجني الارباح على الضفتين»، مشيراً الى أنّ المستغرب أن «هؤلاء الذين لا يخفون معارضتهم للعهد، يهاجموننا لأننا لا نعطيهم حصتهم في التعيينات»، مضيفاً: «تخيّل، انهم يريدون منا ان نعطيهم سلاحاً حتى يحاربوننا به».

 

ويشدّد رئيس الجمهورية على انه لن يترك لبنان ينهار، جازماً ان السنوات الثلاث المقبلة من العهد ستكون حاسمة، «ومسيرة الاصلاح والنهوض لن تتوقف مهما فعل المتضررون منها».