يُنتظر في أيام قليلة بدء حوار بين تيار المستقبل وحزب الله. يتفاءلان بانعقاده، ولا يملكان بين أيديهما جدول اعماله. جلّ ما يتوخّيانه تخفيف الاحتقان المذهبي فحسب. ولذلك يكتفي الرئيس ميشال عون بالتفرّج عليه
كسواه من الافرقاء، لن يجلس الرئيس ميشال عون الى طاولة الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله. الا ان ظلاله، وحده ربما، ستخيّم عليه، وخصوصاً في جدول اعمال ما سيخوضان فيه. الواقع ان الظلال ستمسي في ما بعد كابوساً لسبب جوهري، هو ان عون يقيم في كل بنود جدول الاعمال، المعلنة والمضمرة، المدرجة فيه والمسحوبة منه على السواء. الامر الذي يحيل وظيفة الحوار محدّدة، وتكاد تكون مختصرة في ما يشيعه رئيس المجلس نبيه بري والرئيس سعد الحريري عنها: تنفيس الاحتقان السني ــــ الشيعي اولا.
لا جدول اعمال حتى الساعة. ورغم ان طرفي الحوار تبادلا، من خلال بري، الردود الايجابية، وهي الاستعداد للذهاب الى الطاولة. الا ان جدول الاعمال ليس واحداً بالضرورة. أوحى الحريري، في مقابلته التلفزيونية الاخيرة، ان الملفّين الشائكين، سلاح حزب الله وقتاله في سوريا، في صلب الهموم الرئيسية له ولحلفائه في قوى 14 آذار. وجزم رئيس المجلس، في وقت سابق، بأنهما مستبعدان من لائحة الاطباق، بسبب وطأة الخلاف بين الطرفين عليهما، ناهيك بالبعدين الاقليميين لهذين الملفين. اما ما تبقّى، فيدور في فلك عون: انتخاب رئيس الجمهورية، قانون الانتخاب، الانتخابات النيابية.
لن يجلس الرجل الى الطاولة كي يُظنّ ان الحلّ بين يدي مَن لا يزال يملك الربط في البنود تلك. في اوساط معاونيه الاقربين، يتحدث رئيس تكتل التغيير والاصلاح عن موقفه من استحقاقات طاولة الحوار، كالآتي:
1 ــــ غير معني بالحوار بين تيار المستقبل وحزب الله ما دام غير مدعو اليه، وهو سيكتفي بالتفرج والمراقبة. لا يجد فيه سوى ما يريده منه طرفاه المعنيان، وهو تخفيف وطأة التوتر السني ــــ الشيعي ليس الا. اما الملفات الرئيسية المنطوية في الحوار، فتمرّ بالرابية حتماً كقانون الانتخاب، او لا طريق لها سوى الرابية كانتخاب رئيس الجمهورية.
2 ــــ انتخاب الرئيس ليس ملفاً مدرجاً في صلب الحوار الثنائي بحسب ما اكده لعون الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ثم اعاد تأكيده في ما بعد، حتى الامس القريب، مسؤولون آخرون في الحزب. لعون ثقة كاملة بنصرالله بعدم تخليه عن موقفه الذي افصح عنه سابقاً عندما سمّاه مرشحاً وحيداً ــــ وفقط ــــ لقوى 8 آذار، وعندما أعلن ان ملف الرئاسة لدى عون وحده لمَن يريد الخوض فيه، ما يشير الى تأكيد اضافي لحزب الله أنه لن يكون طرفاً في البحث في الاستحقاق الى طاولة الحوار مع تيار المستقبل، او خارجها.
3 ــــ لا انتخاب وشيكاً لرئيس الجمهورية، ولن يكون في وسع مجلس النواب الممدّد له انتخاب الرئيس. يدعو عون الى مخرج مختلف لأزمتي الشغور التي يبصرها في الرئاسة الاولى وفي السلطة الاشتراعية على السواء، بالذهاب الى قانون جديد للانتخاب اولاً، ومن ثمّ الى انتخابات نيابية عامة. في ضوء نتائج الانتخابات النيابية يذهب الجميع الى انتخاب الرئيس. عندئذ لا يعود نصاب الثلثين عقبة في طريق الاستحقاق، بعد ان يسلّم الافرقاء جميعاً بنتائج الانتخابات تلك.
4 ــــ ما يبدو قاطعاً لديه ان لا عودة ابداً الى قانون الانتخاب، المنبثق من اتفاق الدوحة بعدما اتمّ وظيفته لمرة واحدة واخيرة في انتخابات 2008. تالياً، لا مكان للتفكير سوى بقانون انتخاب يأخذ في الإعتبار سبل تحقيق المناصفة الفعلية والحقيقية، بين المسيحيين والمسلمين، التي اوردتها المادة 24 من الدستور. وهو بذلك يتمسّك بمشروع اللقاء الارثوذكسي الذي يراه الحل الملائم، من دون ان يعني ذلك ايصاد الابواب على الخوض في سواه. لا يجد نفسه بعيداً من مشروع القانون المختلط الذي اقترحه رئيس المجلس، من دون ان يؤيّده سلفاً، ويرى انه في حاجة الى مراجعة وتعديلات، وخصوصاً في الجزء الذي يتناول التصويت الاكثري. لا مانع لديه في ان يقترع الناخب لمرشح واحد في الدوائر الخاضعة للتصويت الاكثري.
5 ـــ لم يعنِ اقتراحه الذهاب الى انتخابات رئاسة الجمهورية بمرشحين اثنين فقط، حصر المنافسة به وبرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فحسب. ولا يعني بالضرورة ان لا منافسة الا مع جعجع. بل وضع المنافسة بين مرشحين جديين احدهما يمثل قوى 8 آذار والآخر يمثل قوى 14 آذار اياً يكن المرشح في الفريق الآخر. يقول عون انه يتفهم موقف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط بترشيح النائب هنري حلو كي يؤكّد انه ليس في اي من الفريقين الآخرين. يلاحظ ايضاً تناقضاً في مواقف قوى 14 آذار من ترشيح جعجع: تارة بالقول انه مرشحها الوحيد المعلن، وطوراً بالقول ان ترشيحه واجهة ليس الا على طريق الوصول الى مرشح توافقي على نحو ما يكرّره الحريري ونواب تكتله باستمرار، كأن المرشح التوافقي هو خيارهم الفعلي المضمر، ومرة ثالثة باعلان الرئيس امين الجميل انه حاز موافقة حلفائه على ترشيحه. بذلك، لا يمانع رئيس تكتل التغيير والاصلاح في استمرار ترشّح حلو، وهو حق دستوري له، بيد ان المشكلة تكمن ــــ كما يقول ــــ في ما تريده قوى 14 آذار وما لا تريده.