يعتقد ديبلوماسي أوروبي رفيع المستوى أنّ الانتخابات الرئاسية التي ستحصل يوم الإثنين المقبل هي أغرب انتخابات رئاسية في تاريخ لبنان، لا بل إنها الأكثر فرادة من نوعها في العالم. ذلك أنّ معظم الكتل النيابية والتي ستقترع للعماد ميشال عون إنما تقوم بذلك رغماً عنها ولو من دون أن يفرض عليها أحد ذلك.
ذلك أنّ العواصم الغربية باتت واثقة من أنّ الاستحقاق الرئاسي اللبناني بات وراءها وأنّ العماد عون سيصبح ظهر نهار الإثنين الرئيس الثالث عشر للجمهورية اللبنانية.
وفي اعتقاد الديبلوماسي الأوروبي نفسه أنّ عون نجح في انتزاع تأييد الكتل النيابية الواحدة تلو الأخرى وعلى أساس أنها تمنح موافقتها لمرشح من المستحيل وصوله نظراً للحواجز التي كانت تعيق وصوله لبنانياً أو حتى خارجياً، لكن في نهاية المطاف وجد الرئيس سعد الحريري نفسه وكأنه يحمل وحده عبء منع وصول عون فاختار إنجاز تسوية جانبية بعد إقناع السعودية بإزالة اعتراضها.
ومن المفترض أن ينتقل العماد عون إلى قصر بعبدا فور إلقائه خطاب القسم الذي كان باشر بكتابته منذ مدة والذي يتضمّن في إحدى فقراته التزامه الكامل باتفاق الطائف الذي طُبّق قسم منه وأنه سيسهر وسيعمل لتطبيق الجزء المتبقي.
وبدا عون مستعجلاً بالبدء بورشة الحكومة لدرجة أنه يفكر بتجاوز تحديد موعد للتهاني، فهو سيدعو الكتل النيابية لتسمية مرشحها لتشكيل الحكومة والذي بات مؤكداً أنه سعد الحريري.
ورغم الاستياء الكبير للرئيس نبيه بري من الحريري إلّا أنّ معلومات موثوقة تؤكّد بأنّ كتلة بري ستسمّي الحريري ولو بعد أخذ ورد وبعض المعاناة، على أن يبدأ بعدها بوضع تصوّره للحكومة وهو ما يستعجله عون.
ورغم اللغط الكبير السائد وإعلان «حزب الله» على لسان أمينه العام أنه سيقف خلف بري في معركة تشكيل الحكومة، داعياً العماد عون للتفاهم معه إلّا أنّ عون عاد مرتاحاً من لقائه الليلي مع السيد نصرالله.
وخلال اللقاء قال نصرالله بوضوح إنّ «حزب الله» غير معني بأيّ تفاهمات ثنائية إذا ما حصلت فيما نفى العماد عون حصول ذلك.
والواضح أنّ «الجهاد الأكبر» الذي تحدّث عنه رئيس المجلس النيابي إنما ينحصر بالحصص والتوازنات داخل الحكومة. فالبيان الوزاري لن يتضمّن ما يُقلق «حزب الله» حول سوريا كما أنه سيلحظ معادلة الجيش والشعب والمقاومة ولو وفق الصيغة التي رافقت ولادة الحكومة الحالية وإنّ هاتين المسألتين حظيتا بموافقة الرئيس سعد الحريري.
وقد يكون هذا الأمر ما دفع واشنطن وباريس لإبداء تحفّظهما، ونُقِلَ عن السفيرة الأميركية قولها لأحد كبار السياسيين اللبنانيين «المهم ألّا يأخذ
العماد عون ورقة التفاهم بينه وبين «حزب الله» إلى مكتبه في قصر بعبدا».
التكهّنات تؤشر إلى أنّ بري سيعمد إلى خلط الأوراق حول توزيع الحقائب بهدف الخربطة على ما وصلت من بنود تضمّنها الاتفاق الثنائي والذي صاغه الوزير جبران باسيل ونادر الحريري حسب ما يعتقد بري.
سيُمسك بري بوزارة المال ولا يبدو أنّ عون والحريري سيمانعان ذلك، لكنّ البنود الأخرى تبدو أكثر صعوبة، فهنالك ما تردّد حول حصرية تسمية الحريري للوزراء السُنّة فيما يتمسّك بري ومن خلفه «حزب الله» بتوزير شخصيات سنّية أخرى مثل فيصل كرامي.
كذلك عدم حصر الوزراء الدروز بوليد جنبلاط وترك حصص لسليمان فرنجية والحزب القومي لكنّ السؤال الذي يطرح «أيّ حكومة يراد لها أن تكون؟ وما هي وظيفتها؟ هل تكون حكومة مهمتها تأمين انطلاقة قوية للعهد أم حكومة الانتخابات النيابية؟
فبخلاف ما تردّد حول وجود طلب من الرئيس الحريري بالعمل على تأجيل الاستحقاق النيابي لمدة سنة تسمح له باستثمار عودته الى الحكم لإعادة تنظيم جمهوره وشارعه، يبدو الرئيس بري مصرّاً على حصول الانتخابات النيابية في مواعيدها وعدم التمديد للمجلس النيابي ولو ليوم واحد.
وبالتالي فإنّ من أولى مهام هذه الحكومة إنجاز قانون جديد للانتخابات يلحظ بين ثناياه النسبيّة ولو وفق صيغة مختلطة.
باختصار سيدخل لبنان بدءاً من يوم الاثنين المقبل بمسار جديد ما يزال ضبابياً رغم أنّ عون متفائل بانقشاع الرؤيا وفي موعد ليس ببعيد.