لا تصلُح الجردة الأوّلية لعهد الرئيس ميشال عون بعد شهر وعشرة أيام على انتخابه، فالحُكم في نظر مَن أيّدوه، وهو الحليف الموثوق لـ»حزب الله»، يكمن في متابعة حركته السياسية كرئيس، تلك الحركة التي تشجّع في رأي هؤلاء أكثر فأكثر على الارتياح الى خيار تأييده، وعلى اعتبار أنّ هذه الخطوة كانت موفقة وصائبة، ولا تستدعي الندم ولا الشعور بالهزيمة، بل بالانتصار.
قد ينطبق هذا الكلام على تيار «المستقبل» و«القوات اللبنانية» مجتمعَين، وقد ينطبق على احد الطرفين بنسب متفاوتة، لكنّ الانطباع العام حتى الآن هو أنّ «المستقبل» و«القوات» من وجهة نظرهما حقّقا انجازاً سياسياً، لا بد أنه سيُترجم في حده الادنى فوزاً برئيس وسطي، هذا إذا لم يتحوّل هذا الرئيس حليفاً انتخابياً وسياسياً اذا سنحت له الظروف.
الآمال «القواتية» و«المستقبَلية» الموضوعة في عون كبيرة، تبدأ من «مزاياه» الشخصية، ولا تنتهي بمسار الشهر الأوّل من عهده، التي يراها الطرفان «ايجابية جداً».
فبالنسبة الى المزايا الشخصية، يُستفاض في الشرح والإشادة بقدرة عون على قول الـ«لا» حتى في وجه «حزب الله»، هذه الـ«لا» في رأي هؤلاء، مفتاح في تتبّع سلوك الرئيس ورصد هوامش حركته، كما أنّ الـ«لا» التي تترافق في رأيهم مع «دوز» لا بأس به من المخاطرة، سيترجمها عون عملياً سلسلة قرارات سيذهب فيها الى النهاية حتى لو كلّفه الأمر الاصطدام بـ«حزب الله».
عون، في رأي المتفائلين، يريد أن يترك بصمته على العهد في كلّ الذقضايا المفصلية. في علاقاته العربية، في تأليف الحكومة، في قانون الانتخاب، في استعادة التوازن الوطني، في تقوية الموقع المسيحي في الدولة.
يَروي بعض هؤلاء أنّ خلاصات التواصل مع رئيس الجمهورية، دلّت على أنه لن يتراجع عن أيّ التزام قطعه، خصوصاً في علاقته بـ«القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل». زيارته الاولى الى السعودية على سبيل المثال لن يتراجع عنها على رغم كلّ ما مورس عليه من ضغوط.
موقفه من تأليف الحكومة لن يتبدّل مهما كان سقف رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية عالياً، وقد يتزحزح قليلاً إنما لن يرضخ لفرنجية بإعطائه أيٍّ من الوزارات التي طلبها. عون مقتنع وبثقة، على ما ينقل المعجبون به، بأنّ المشكلة ليست في علاقته بـ«حزب الله» بل مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي وفرنجية، وهو مقتنع بأنّ الحزب لا علاقة له بتصلّب فرنجية، وأنّ الحزب في النهاية سيحسم تأليف الحكومة لمصلحته، أو بطريقة لا تؤدي الى كسره.
هذه الثقة بـ«حزب الله» وبالعلاقة معه يترجمها المتفائلون رصيداً إضافياً يُعزّز الإقتناع بخيار انتخاب عون. مؤدى هذه الثقة بالرئيس القوي، قدرته على توظيف علاقته مع «حزب الله»، وتثميرها على شكل «وسطيّة» في ما يتعلّق بحياد لبنان، وعلى شكل استعادة «التوازن» في ما يتعلق بالوضع الداخلي.
يتوقف هؤلاء كثيراً عند مفارقة أنّ إيران التي تنتصر في سوريا والعراق، لا تستطيع أن تترجم عبر «حزب الله» في لبنان أيّاً ممّا تحقّقه في المنطقة.
أزمة «حزب الله» في رأيهم تكمن اليوم في عدم القدرة بعد انتخاب عون على ترجمة انتصاره في لبنان، بل في الاقتصار على التعامل مع انتخاب عون كإرباك يمكن استيعابه، وهذا ما يترجَم على شكل حملات إعلامية لا تلبث أن تتوقف، ورفع سقوف حكومية لن تلبث أن تتلاشى، والمؤمّل هنا، بل المتوقع، أن يحسم عون صدور التشكيلة الوزارية، إذا امتنع «حزب الله» عن التدخّل مع برّي وفرنجية، علماً أنّ عون وفق هؤلاء واثق من تدخل «حزب الله» مع حلفائه ومن نتائج ايجابية قريبة سيسفر عنها هذا التدخل.
مَن أيّدوا عون إذاً، راضون عن الخطوة، لا بل مباهون بها. تكفي المقارَنة بين مرحلة الفراغ الطويل، التي كانت الافضل بالنسبة الى «حزب الله»، والعهد الجديد الذي بات «وجع رأس»، «حزب الله» المزمن، لتقديم جردة حساب إيجابية تؤكّد صواب الخيار، والخطأ الذي ارتكبه مَن عارضوا انتخاب عون ووصفوه بأنه يمثل «خياراً إيرانياً»، ونعتوا داعميه (من 14 آذار) بالاستسلام.
هل تصدق توقعات المؤيّدين لخيار انتخاب عون في اعتباره انتصاراً مبيناً، وهل سيكون رئيس الجمهورية على مقدار الآمال التي وضعها فيه حلفاؤه الجدد الذين يرون فيه القادر على كل شيء؟
الأرجح أنّ بعضاً من الانتظار مطلوب لتبيان حقيقة هذا التفاؤل وواقعيته،خصوصاً في ما يتعلّق بـ«وسطية» العهد، وقدرته على الإقلاع في الحكم تجاوزاً للتوازنات التي رسمها «حزب الله» بعد انتخابه مباشرة، والتي تترجم عبر حلفائه والاعلام الموجه منه، خصوصاً الذي لم يكن ملتبساً في رسم الخطوط الحمر للرئاسة والرئيس والمقربين منه، والذي أرسل لعون قبل الآخرين أنّ مصدر السلطة ليس في قصر بعبدا ولا في أيّ من مقار الدولة، بل في مكان آخر لا يمكن تجاوزه، ولا يمكن الإنقلاب عليه، خصوصاً بعد التحولات الميدانية المتسارعة في سوريا والعراق، التي لا تترك مجالاً للوسطية ولا للوسطيين،كذلك لا تترك لوهم قدرة حليف الرابية على التحول وسطي بعبدا.