صحيح ان احدا لم يكن يراهن على ان فرنسا تملك الحل، لكن ايرولت الذي رفض تحمل الفشل وحيدا رماها في وجه اللبنانيين ورحل مطالبا باتفاق لبناني لتسويقه لدى الفاعلين الدوليين والاقليميين،فجاءه الجواب سريعا من مجلس النواب، تأجيل الرئاسية ، ومعها طار البحث في قانون الانتخاب بتطيير نصاب اللجان المشتركة. هكذا يستمر التعطيل على هذين الخطين فلا انتخاب لرئيس الجمهورية حتى بيان الخيط الاقليمي من الخيط المحلي ولا إقرار لقانون الانتخابات النيابية مما يعني ان سلة الحلول المقترحة مثقوبة.
واذا كان ملء الفراغ الرئاسي هو المدخل لحل التعقيدات التي تواجه قانون الانتخاب، فان الاتصالات الجارية على المستويات المحلية والاقليمية لم تتمكن من ازالة العراقيل من امام الاستحقاق الرئاسي، مع استمرار ربط الحل بالصراع الدائر في سوريا ،وبالسلة السياسية المتكاملة، التي قيل ان رئيس تكتل الاصلاح والتغيير ابلغ الفرنسيين موافقة حزب الله على سعد الحريري رئيسا للحكومة،ما ينتظر الاخير سماعه من حارة حريك مباشرة ليبني على الشيء مقتضاه، بحسب مصادر متابعة ،رافضة الحديث عن عودة الامور الى نقطة الصفر اوالمربع الأول، مشددة على ان عملية الانتخاب ستتم بشكل مفاجئ ومن دون استعدادات مسبقة، وبالتالي قد يكون الافراط بالتشاؤم حاليا في غير مكانه.
فرغم الاجماع على حقيقة ان رئيس الدبلوماسية الفرنسية لم يحمل الترياق الرئاسي السحري، بقدر ما إستمع الى روايات الاطراف وسيناريوهاتها ، وبخاصة تلك الخاصة برئيس مجلس النواب ، التي حازت تأييد الوزير الفرنسي ،وان بترتيب مختلف، شرط توافر الضمانة الاقليمية الدولية لحسن التنفيذ ، تفيد اوساط رافقت تفاصيل الجولة، الى ان ما سمعه ايرولت من الغالبية لم يقنعه لأن كل فريق إتهم الآخر بالتعطيل، اذ أحاله فريق 14 آذار الى طهران المسؤولة في رأيه عن تعطيل الاستحقاق في حين أحالته قوى 8 آذار الى الرياض كمسؤول وحيد، رغم اصراره امام من التقاهم على الجهد الفرنسي الاستثنائي المبذول لفصل لبنان عن محيطه سياسيا، لوقف حلقة الفراغ المفرغة، كاشفة في هذا الاطار عن زيارة مرتقبة لمدير دائرة افريقيا والشرق الاوسط في الخارجية الفرنسية جيروم بونافون على خطّ السعودية -ايران، لوضعهما في صورة مباحثاته في بيروت كما كان اتفق مع نظيريه السعودي والإيراني، املا في بلورة صيغة تذلّل العقد السياسية العديدة.
نتائج ليست سوى الدليل القاطع الى عدم رغبة «قوى الممانعة الرئاسية» بتذليل العقبات وانهاء الفراغ، فما سمع وفهم لم يغير قيد انملة في المعادلة المتحكمة بالاستحقاق منذ عامين. حزب الله كرر مواقفه نفسها ، العماد عون مقتنع بحتمية وصوله قبل آب الى بعبدا ،في حين يستمر النائب سليمان فرنجية مرشحا مدعوما من تيار المستقبل بفارق عدم تحركه في اتجاه القوى السياسية كما يفعل عون،حيث ينقل احد المشاركين في عشاء قصر الصنوبر ان السفير ايمانويل بون قال للبيك الزغرتاوي «ان كل الذين اجتمعوا مع ايرولت سموا العماد عون باستثناء الرئيس الحريري الذي سماك مؤكدا تمسكه بدعمك».
ففي محصّلة الزيارة الفرنسية الخاطفة وبين سطور كلامها الكثير من الرسائل والحقائق بحسب الاوساط المتابعة للجولة، لعل ابرزها :
-عدم تفاجئه بواقع عجز القوى السياسية عن تحييد لبنان عن التجاذبات الاقليمية ، رغم خيبته من فشله في اقناع تلك الاطراف بالتراجع عن مواقفها المتصلبة ، رغم التحذيرات الواضحة التي تحدث بها امامهم من جدية انتقال النار المشتعلة الى لبنان.
-امتناعه عن طرح حل أو تقديمه وعداً، شارحا ان زيارته تاتي في سياق اتصالات دولية، وتتمة للتواصل القائم مع السعودية وايران والفاتيكان.
-محاولته تبيان ما اذا كان طرح ثنائية فرنجية-الحريري ساري الصلاحية، من منطلق أنّه الطرح الذي لا يزال يجده الفرنسيون الاقرب اليهم.
-سفره بقناعة بأن أي حل لا يتضمن موافقة الرابية لن يمر.
التيار الازرق المتهم بالتعطيل تفيد مصادره في معرض تعليقها على الزيارة، بانه ليس بوارد تقديم المزيد من التنازلات، وهذا ما قاله الرئيس سعد الحريري لكل مَن التقاهم من وزير خارجية فرنسا جان مارك ايرولت الى الأطراف الداخلية وصولاً الى السعودية، حيث يعتبر الحريري أن اي تنازل بقبول العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية سيفسّره جمهوره على أنه تراجع إضافي، وهو ليس مستعداً لمثل هذه الخطوة نظراً لدقة الوضع ، لان انتخاب عون «خطأ تاريخي» ونسخة مطابقة لتجربة الرئيس اميل لحود، لا بل ان الوضع سيكون اسوأ من ايام عهد الاخير، فضلا عن ان أولويات المستقبل حاليا محصورة في إعادة ترتيب البيت الداخلي بدءاً من تقييم المراحل السابقة وبلورة رؤية تأخذ بعين الإعتبار المتغيرات الحاصلة في الداخل والخارج. من هنا ، والكلام للمصادر، عدم الرغبة في تقديم اي مكسب لحزب الله ولو كان معنوياً، في لعبة تجيد الحارة ومن خلفها طهران «عض الاصابع فيها».
في انتظار جولة الاتصالات الفرنسية الجديدة المرتقبة مع الدول المؤثرة في الملف اللبناني، جديد وحيد برز خلال اقامة ايرولت في لبنان، ان الاستحقاقات كلها معلقة على محطة آب الحوارية، بانتظار ان تهدأ موجة التوتر التي تحكم حاليا العلاقات بين الرياض وطهران رغم ان التكهن في مصير هذا التشنج ومدته الزمنية صعب ومعقّد.