IMLebanon

عون إلى بعبدا.. رحلة الألف ميل!

لم تكن خطوة الحكيم الانقلابية على قناعات القوات أولاً والحلفاء ثانياً، كافية لإيصال الجنرال عون إلى بعبدا.

فتوحيد الصف المسيحي، ودفن أحقاد الماضي، مع كل الدم والخراب اللذين رافقاها، هي خطوة ضرورية، علّها تنسحب على مختلف الخصوم، لتحييد الشارع وحصر الخلافات ضمن المؤسسات الرسمية، أو ما تبقى منها، وتحت ظلال الديمقراطية المتهالكة، ضمن رحلة إعادة بناء الدولة الطويلة.

إلا أن التنازل عن ترشيحه لصالح العماد عون، وإعلان اتفاق النوايا، كنواة خطاب القسَم المرتجى، لا يُشكّل أية ضمانة للحكيم أو فريق 14 آذار، على أن يلتزم بها العماد عون إذا ما وصل إلى بعبدا. فللتيار حساباته الخاصة أيضاً وتحالفاته، التي شكلت الدافع الأساسي في تكريس الرابية ممراً مُلزماً لبعبدا، وآخر دلالاتها كان موقف الوزير باسيل المتفرّد، والذي أخرج لبنان، في سابقة مؤذية، من الإجماع العربي وقذف به في أحضان طهران.

أما تريّث الحليف الأوّل والأقوى للتيار الحر، وهو «حزب الله»، حتى الساعة عن إعلان موقف واضح من هذا الترشيح، إنما يثبت ان الأولوية، كانت ولا تزال، للمصالح الخاصة بعيداً عن إخراج الجمهورية من قفص الفراغ. فالعماد عون معروف بتقلباته ومزاجيته، واليوم بات موقعاً على اتفاقين مع فريقين مختلفين، وببنود متناقضة، فهل ممكن التوازي بينهما، في حين هناك مواقف لا بدّ أن تكون واضحة ولا تحتمل المواربة، فإما دعم الجيش لفرض سلطته وجعله القوة العسكرية الوحيدة أو تأمين الغطاء للعمل العسكري للحزب في سوريا. ومن هنا، لا يزال الحزب يحاول فك طلاسم الاتفاق العوني – القواتي، خوفاً من «قطبة مخفية» تكون على حساب سلاحه وحرية تحركه العسكري في المنطقة، وبالتالي يثبت عدم ثقة الحزب بثبات موقف الجنرال وقدرته على الالتزام بها.

إن وحدة الصف المسيحي هي خطوة إيجابية على صعيد الوطن ككل، وهي حجر أساس، ولكنه ليس الوحيد في هيكل الجمهورية. فبناء دولة المؤسسات التي تنادي بها كل القوى السياسية والتي تشكّل أقصى طموحات اللبنانيين، لا تتم عبر الصفقات والتحالفات والاتفاقات الجانبية، بل عبر احترام الدستور ورفع يد التعطيل عن المؤسسات والالتزام بالاستحقاق، كما يليق بمفهوم الدولة الديمقراطية، وبالتالي لا يمكن أن يكون مشروع الرئيس العتيد رقصاً على حبال التحالفات، لإبقاء التوازن بين الأجندات المتناقضة، بل لا بدّ من استغلال فرصة وجود «الرئيس القوي» على كرسي الرئاسة لتكريس مفهوم الدولة المستقلة والقادرة على صون وحدة أبنائها، وحماية أراضيها من العواصف الإقليمية العاتية، بعيداً عن محاولة إلغاء الآخر، أو فرض الخيارات بقوة السلاح، أو عبر سياسات الأمر الواقع، لأن لبنان، وطن التناقضات، أثبت عبر التجارب الصعبة أنه محكوم بالتوافق وليس بالتحدّي والإقصاء!

ويبقى السؤال: هل ستنجح الطبقة السياسية في إيجاد الحل المحلي للمأزق الرئاسي، محيّدة لبنان بذلك عن الصراعات الإقليمية؟

وهل سيتحرر الرئيس العتيد، بغض النظر عن التسمية، من تحالفاته المحلية والتزاماته الإقليمية ليجسّد الرئيس القوي، فعلاً لا قولاً، واضعاً الأسس الصحيحة للجمهورية اللبنانية، واللبنانية فقط ؟!

يبقى موعد انعقاد جلسة مجلس النواب يوم الامتحان، حيث يظهر الخيط الأبيض، ويحدد الحليف الحقيقي ويتم التمييز بين المبادرة والمناورة!