اذا كانت لعبة الامم تهدف الى اعادة تشكيل المنطقة وفق قواعد مذهبية واتنية انطلاقاً من العراق الذي فرزته الادارة الاميركية الى فدراليات كي لا نقول دويلات ثلاث سنية وشيعية وكردية دون الاعلان عن ذلك، فان هذا الداء سرعان ما انتقل الى سوريا، حيث تشير الوقائع الى مخطط اميركي ـ روسي وضع لتقسيمها على الطريقة العراقية، و«عاصفة السوخوي» ابرزت تضاريس ما يسمى بـ«سوريا المفيدة» الممتدة من الساحل السوري وصولاً الى دمشق عبوراً الى حلب، ولولا الاعلان الروسي ـ الاميركي عن امكانية فرز سوريا فدرالياً لما سارع الاكراد باعلان قيام حكم ذاتي تحت مسمى «كردستان الغربية» وفق الاوساط المتابعة للمجريات، وربما هذا الامر يفسّر تحييد المناطق التي يسيطر عليها «داعش» وعدم الاقدام على القضاء عليها في موصل العراق والرقة السورية، ما يشير الى ان صلاحية استعمال «الدولة الاسلامية في العراق والشام» لم تنتهِ بعد، بل كانت ولا زالت ضرورة غربية لترسيم وتثبيت خرائط الدول الهجينة انطلاقاً من اسقاطها اتفاق سايكس بيكو والاطاحة بالحدود التي وضعتها فرنسا وبريطانيا اثر انتهاء الحرب العالمية الاولى في مطلع القرن الماضي.
وتضيف الاوساط ان رئيس مجلس النواب نبيه بري ادرك خطورة الاطباق التي اعدت للمنطقة منذ انطلاقة جهنم «الربيع العربي» القاتل في سوريا، فحذر الجميع من لعبة الامم في «تقسيم المقسّم» وتداعياتها على الساحة المحلية، وهو على يقين بان اوان المزاح في الامور المصيرية بات قاتلاً حيث ان كلمة كافية «لفتح الشر» بين مكونات البلد الصغير العاجز عن انجاز ابسط البديهيات. فرأس الدولة مقطوع حتى اشعار آخر والشلل يجثم على صدر كافة المؤسسات في الدولة الى حد اعتبر حل مسألة النفايات احد الابتكارات الخارقة. وما يخشاه بري ان يلجأ البعض الى اسقاط الفدرالية الكردية في سوريا على الواقع المحلي اثر الخلاف الحاد بين الرابية وعين التينة، معتبراً ان الكلام عن «الذمية السياسية تقسيمي»، معلناً انه «سيواجه التقسيم بالسلاح لصون الوحدة الوطنية» مضيفاً «ان التقسيم خط احمر ولن نسمح بتفتيت الدولة وضياع لبنان».
واذا كان كلام بري قد غمز فيه من قناة العماد ميشال عون وفق الاوساط البرتقالية، فان في الامر تجنياً على الجنرال المعروف بتاريخه الناصع، فهو صاحب الشعار المشهور: «لبنان اصغر من ان يقسّم واكبر من ان يبتلغ» وان التهويل على المسيحيين بشعارات ليسوا اصحابها لم يعد يجدي، وان استعمال الترهيب كعدة شغل تخطاها الزمن. فاذا كان المسيحيون قد توحدوا في مشهدية معراب كون «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» يمثلان ما يفوق نسبة 80% من الرقعة المسيحية، فان هذه الوحدة او التحالف ليس ضد اي طرف من الشركاء في الوطن، لا بل ان ترتيب البيت المسيحي امر بديهي لترتيب البيت الوطني، وفي العقل المسيحي ان «لبنان رسالة» وليس وطناً واي خروج عن كلام البابا الطوباوي يوحنا بولس الثاني يعتبر «خطيئة مميتة» بالمفهوم العقائدي والديني للمسيحيين، واذا كان بري يحاول من خلال اتهامه عون دون ان يسميه بالسعي الى الفدرالية والتقسيم، فقط لاصراره على الوصول الى الكرسي الاولى الذي يعتبره احقية، فما هكذا تورد الابل. فلماذا المسموح به لدى السنة والشيعة في موقعي رئاسة مجلس الوزراء ورئاسة مجلس النواب يصبح من المحظورات لا بل من الكبائر لدى المسيحيين في اختيار رئىس الجمهورية، اليس الامر ذمية سياسية، لا سيما ان الآخرين اتهموا المسيحيين بالتعطيل لعدم توافقهم قبل ورقة «اعلان النوايا»، وعندما اتفقوا انتقل بري الى مقولة «اجماع المسيحيين» على خلفية خروج الكتائب من دائرة الاتفاق علماً ان تمثيلهم ينحصر مناطقياً وليس على مستوى الرقعة المسيحية، وفي المحصلة، كما تقول الاوساط، ان الجنرال لا يحارب بهذا السلاح وليفتشوا عن اسلحة اخرى.