ستبقى نتائج الجولة الجديدة التي أجراها الموفد الرئاسي الفرنسي جان فرنسوا جيرو موضوعَ جدَل طالما إنّها لامسَت المراحل التي تؤدّي إلى انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً أنّه تبنّى ما سمّاه توافقاً إيرانياً ـ سعودياً على أنّ التفاهم الماروني ـ الماروني هو نصف الطريق إلى الحلّ، بفارق أنّ الرياض لا تحَبّذ وصولَ العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا. كيف ولماذا؟
كشفَت شخصية سياسية مسيحية من خلال تقويمها نتيجة زيارة جيرو لبيروت أنّه كان صريحاً جدّاً في مقاربته للمخارج. فإلى العرض السريع الموحّد الذي قدّمه في بداية كلّ اللقاءات التي عقدها في بيروت شارحاً مبادرة الرئيس فرانسوا هولاند التي تلقى دعماً فاتيكانياً غيرَ محدود وقبولاً أميركياً وإيرانياً وسعودياً لا يرقى الى مدى الدعم الفاتيكاني، أشار الى أنّ زياراته الأخيرة لطهران والرياض اصطدمَت بعروض سعودية وإيرانية متشدّدة في جوانب محدّدة من الاستحقاق الرئاسي لا يفكّكها ولا يعطّلها سوى تفاهم ماروني – ماروني.
كان جيرو واضحاً عندما فصلَ بين اللغة الديبلوماسية التي ميّزَت مواقف المسؤولين السعوديين والإيرانيين وشدّدت على وحدة لبنان وسيادته واستقلاله والحفاظ على تركيبته الحاليّة الفريدة في المنطقة من جهة، وبين ما تريده الدولتان لمستقبل لبنان من جهة أخرى.
وأنّهما على رغم الخلافات الواضحة في رؤية مستقبل لبنان أجمعَا على اعتبار أنّ انتخاب الرئيس اللبناني العتيد يأتي في سياق الحفاظ على البلد موحّداً والتخفيف ما أمكن من تردّدات الأزمة السورية على ساحته.
وفي هذا السياق خلصَ جيرو الى معادلة واضحة مفادُها أنّ الدولتين التقتا على نقطة واحدة وهي تحميل المسيحيين مسؤولية الخطوة الأولى في الطريق الواجب سلوكُها الى انتخاب الرئيس العتيد. وأنّ ما يردّده مسؤولو «المستقبل» و»حزب الله» في لبنان ليس سوى صدى لهذين الموقفين على رغم التمايز في اللهجة.
وكشفَ جيرو أنّه خلصَ إلى هذه النظرية عندما تبَلّغَ شرطاً سعودياً واضحاً وصريحاً يستبعد رئيس تكتّل «الإصلاح والتغيير» العماد ميشال عون من السباق الرئاسي. معتبراً أنّ هذا الشرط هو الذي ميّزَ الموقف السعودي الذي لم يتبدّل على رغم انتقال السلطة في المملكة العربية السعودية من الملك عبد الله بن عبد العزيز الى الملك سلمان بن عبد العزيز، مستبعداً أيّ تعديل في القريب العاجل.
وعليه، فقد أبلغَ جيرو إلى عون هذا الموقف السعودي واستفاضَ في شرحِه للبدائل التي يراها ممكنةً. ولَمَّا قال له باللغة الفرنسية ما معناه»: «لا يتوقّعون أنّهم قادرون على التعايش معكم» ردّ عون» أنا في هذا الجوّ، ويمكنهم أن يعتادوا عليّ».
وهنا لاحظَ جيرو ردّ فعلٍ عنيف لم يفاجئه، فهو على معرفةٍ مسبَقة بأنّ هذا الموقف ليس جديداً، وأنّ من البديهي أن يكون عون قد تلمّسَه بعد زيارته الأخيرة للرياض لتعزية الملك سلمان بالعاهل السعودي الراحل والتي لم تغيّر شيئاً في هذا الموقف المتصلّب.
وعلى هذا الأساس نصحَ جيرو القادة المسيحيّين، وفي مقدّمهم البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بضرورة السعي إلى إحياء الحوار بين القادة المسيحيين، وطالبَه بأن يبذل فور عودته من روما جهداً إضافياً لكي يتّفق المسيحيّون، وفي مقدّمهم القادة الأربعة، على شخصية خارج ثنائية المرشحين المعلنَين، فحظوظ عون في خوض السباق ليست أفضل من حظوظ جعجع، وإنّ البحث عن شخصية ثالثة من ضمن القادة الموارنة الأربعة أو غيرهم أمرٌ ملِحّ لقطعِ الطريق على المتلاعبين بالاستحقاق قبل فوات الأوان.
وفي هذا الصدَد كُشِف أنّ أحد القادة المسيحيين سألَ جيرو: هل تريدون توريطَ البطريرك في مشروع لقاء ماروني ـ ماروني جديد بعدما فشلَت محاولاته السابقة؟. ردّ جيرو بعفوية بما معناه: «إنّ في هذه الخطوات الأمل الوحيد في إمكان الخروج من النفَق المظلم الذي دخَله الاستحقاق الرئاسي. وإذا وجَد أحدٌ غيرَ البطريرك قادراً على هذه المهمة فلا بأس».
وأضاف: «لا أرى في ظلّ التشنّجات القائمة في المنطقة مخرجاً سوى هذا الطريق، وعلى المسيحيين تحَمُّل المسؤولية ليفتحوا بتفاهمهم على الرئيس العتيد الطريقَ الى إعادة انتظام الحياة السياسية والمؤسساتية في البلاد ويضعوا الأطراف الأخرى أمام مسؤوليّاتهم طالما إنّهم نادوا بهذا التفاهم، وفي حال العكس سيكون لكلّ مقام مقال».