Site icon IMLebanon

لا… لسنا بلداً سائباً

 

كان أفضل بالتأكيد لرئيس الجمهورية لو اعتصم بالصمت ازاء عنجهية قائد سلاح الجو في “الحرس الثوري” الذي لم يجد في ذكرى اغتيال الاميركيين لقائده الراحل، الا الاصرار على استفزاز اللبنانيين واحتقار دولتهم والتعامل معها كمنصة متقدمة للصواريخ وبالتوقيت الايراني.

 

والأنكى من تبرع فخامته بالتغريد اعتقاد قياديين في حزبه انه استفاق اخيراً على السيادة وانتفض ليعيد للبنانيين حقهم في دولة بلا شريك. فالرئيس، الذي اعتبر تفاهم “مار مخايل” وكرسي الرئاسة بديلاً من استراتيجية الدفاع والسيادة، ارتكب خطأين مقصودين بالتأكيد. أولهما، عدم التجرؤ على الإفصاح باتجاه مَن يوجه الحديث. وثانيهما، إغفاله ذكر “الدولة” مستبدلاً بها “اللبنانيين” لئلا يزعج السلاح غير الشرعي وليترك الباب واسعاً للتبرير.

 

حظ اللبنانيين عاثر، إذ لا يكفيهم الانهيار الاقتصادي والمالي الكبير، وانقضاء خمسة اشهر على التفجير الهائل وسط تآمر موصوف على المحقق العدلي، وتفشي “الكورونا” وانهيار القطاع الصحي وتأخر اللقاح بفعل سوء التخطيط، حتى تراهم مضطرين للوقوف “على إجر ونص” في انتظار ما سيؤول إليه التوتر الايراني مع الاسرائيليين والاميركيين، وكل ذلك بفعل “بركات” المنظومة الحاكمة بحضورها الفاعل او بغيابها المهين. وكلا الفعلين اجرامي.

 

تأخر فخامته في استدراك ان الحدود لها أهل وليست سائبة، مع انه لم يفصح عن صاحب المُلك بالتحديد. لكن يسجل له على الأقل عدم تجاهل الموضوع فيما باقي زعماء المنظومة وسلطاتها يعيشون صمت القبور. فلا رئيس المجلس النيابي اعترض ولو بعتب بسيط على كلام علي حاجي زادة تطميناً لناخبيه الجنوبيين، ولا الرئيس “المغيب” في السراي طلب من وزير خارجيته استدعاء سفير طهران على غرار استدعاء السفيرة الأميركية لمناقشة العقوبات على باسيل، ولا تحمست وزيرة الدفاع النشطة في تفقد الألوية أمام الكاميرات للذود عن كرامة الجيش ازاء اعتباره نكرة على لسان قائد عسكري. أما الرئيس المكلف فربما اعتقد ان انتهاك السيادة جزء من “ربط النزاع” مع “حزب الله” ولا يستحق التعليق.

 

يجرح كلام المسؤول الايراني كرامة اللبنانيين. وإذ ان التفاخر السابق بالسيطرة على أربع عواصم عربية لم يعن إلا اختطافها والتسبّب لدولها بالحروب او بالوقوع على شفا التفتيت، فإنّ تذكير اللبنانيين بأنهم أكياس رمل في الصراع الاقليمي سيزيد قناعتهم بوجوب تغيير المنظومة التي أدانتها وعرَّتها ثورة 17 تشرين بتهم الهدر والنهب ثم التسبّب بالتفجير، ويدينها اليوم كلّ مواطن بجرم الصمت والتخلي عن أمن المواطنين والسيادة.