IMLebanon

عون ينتظر الكرة من ملعب خصومه

عون ينتظر الكرة من ملعب خصومه

«التوافق» هو حَكَم «الآلية».. أو لا حكومة

على عكس نبرة الغضب التي تلبّسها الجنرال ميشال عون يوم الثلاثاء الماضي لحظة وقوفه على منبره الأسبوعي في الرابية، بعد اطلاعه على «البند المندسّ» في اتفاق الترقيات والمتصل بالمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، فإن الرجل يمضي هذه الفترة أيامه بهدوء. لا تستفزه مواقف الخصوم ولا يثيره تذاكي الآخرين، وإنما يكتفي بالانتظار.

هذا لا يعني أبداً أنه يضع يده على ورقة رابحة سيكشفها حين يحين زمانها، ولا يعني أنه استسلم لألاعيب شركائه الحكوميين وراصديه على كوع الاخفقات، لكنه يعرف أنّ الطابة لم تعد في ملعبه، والمبادرة صارت استطراداً على طاولة الآخرين.. أما هو فسيقول الكلمة النهائية.

مضى أكثر من شهرين على ربط الجنرال مصير حكومة تمام سلام بالتعيينات العسكرية، مهدداً بحقنها بإبرة بنج تحول دون قيامها بواجبها، فيحيلها الى قافلة المؤسسات العاطلة عن العمل والقابعة في كوما يعرف الجميع بدايتها، لكنهم يعجزون عن تحديد نهايتها.

لم يمزح العسكري العتيق حين رفع سقف اعتراضه الى هذا الحدّ، وهو يعرف جيداً أنّ لحظة الاستحقاق قد تحضر أمام ناظريه وقد يضطر الى مزاوجة الكلام بالفعل إذا ما خاب ظنّه من الجالسين قبالته، وهو السيناريو المحتمل بنظره، في ضوء التجارب السابقة المحبطة. ومع ذلك استمر في مساره التصعيدي التصاعدي، مترقباً مصير الطابة التي ستأتيه من جانب الآخرين.

ولهذا، هو في هذه الأيام يضع رجلاً فوق رجل، في باله أن كل السيناريوهات صارت متساوية الحظوظ. متأكد بأنّ الحاجة الى الحكومة قد تدفع الخصوم، وحتى أكثرهم تشدداً، الى التقدم خطوة نحوه، وبهذا لم يقطع الأمل. ولكن في المقابل هو ليس مستعداً لتقديم أي تنازل في سبيل تحقيق مطلبه، على خلاف ما يعتقد الفريق الآخر الذي يظنّ أنّ حبل تنازلات الجنرال قد يمتد طويلاً ويصل به الى غير ما هو متوقع. وربما لهذا شطحت الخيالات وتسلل بند المديرية…

ولكن ما لا يعرفونه، هو أنّ الرجل بات في مقلب آخر. لا يزعجه اتهامه بالتعطيل، سواء بالوقوف على باب البرلمان حاجزاً أمام التئام نصابه القانوني، أو بمنع اخراج «فخامة الشغور» من القصر الجمهوري. ولن يكون بالتالي متأففاً إذا كان مسبباً لتعطيل الحكومة وتجميدها، حتى لو حافظت على كيانها ولم تسقط في هاوية الاستقالة.

بينه وبين نفسه يرسم هذا الاحتمال بقوة، لا بل يطغى على حساباته. يقول لمن يلتقيهم إنّ الحكومة أصلاً غير منتجة ولا تقدم له أي قيمة مضافة قد تزيد من رصيده حيث تواجَه المشاريع المقدمة من جانب وزيريْه بعوائق مالية تحول دون اتمامها وتنفيذها. ولعل الكباش العلني الحاصل مع وزارة المال حول ملف الكهرباء هو النموذج الأكثر دلالة على ما يقصده الرجل. لا حرج بالتالي من تعميم المبدأ على كل الوزارات، بمعنى «تعطيلها» واحالتها الى تقاعد غير رسمي ينتظر الضربة القاضية.. أو الولادة الثانية اذا ما كانت متاحة. ولهذا يبدو هادئاً في هذه الأيام، مترقباً الطبق الذي سيوضع أمامه.

يدرك ميشال عون أنّ الجالسين قبالته على طاولة تمام سلام لن ينكّسوا أعلامهم سريعاً ليمنحوه نصراً مجانياً، وانما سيحاولون قدر استطاعتهم أن يدفّعوه ثمن أي هدية قد يقدمونها له، حتى لو كان من عيار «نجمة» اضافية تعلّق على كتفيّ العميد شامل روكز، لأنهم يعتقدون أنه سيصل الى حافة الهاوية وسيعود أدراجه، كما فعل حين هدد بالاستقالة، فعاد عنها تحت وطأة الخط الأحمر الذي وضعه «حزب الله». وهنا ثمة من يراهن على أنّ تصعيد الرابية سيبقى مضبوطاً ومن دون فعل.

هكذا قد يحاولون، وفق البعض، ابتزازه بورقة الاعتراض المزدوج الذي يرفعه الرئيس ميشال سليمان وحزب «الكتائب» على الترقيات تحت عنوان «رفض المس بهيكلية المؤسسة العسكرية»، لمقايضته بالفيتو الحكومي الناتج عن آلية التوافق على طاولة مجلس الوزارء، وتحويلها الى تصويت الثلثين، كما يضغط بعض مكونات الحكومة وتحديداً الرئيس فؤاد السنيورة.

بنظر البعض قد تكون هذه الفرصة ذهبية للانقضاض على الآلية التي وجّعت رؤوس «الحريريين» وجعلتهم متساويين مع بقية المكونات الحكومية، مع أنّ سلة التفاهم تنصّ بوضوح على اعتماد التوافق أو تأجيل بند إذا اعترض عليه مكونان شرط عدم تعطيل السلطة التنفيذية.

ولكن ما لا يريدون تصديقه هو أنّ ميشال عون ليس على استعداد للتخلي عن هذه الورقة الثمينة مهما كانت الضغوطات، حتى لو جاءته الحجج تقول إنّ سلّة التفاهم معلقة على مشنقة الآلية، وبالتالي لا بدّ من التخلي عن واحدة من الاثنين كي تعبر الثانية، وحتى لو قيل له إنّ المسألة قد تكون لمرة واحدة فقط لا غير.

ويؤكد المطلعون على هذا الخط أنّ التساهل في هذه المسألة ممنوع بالنسبة لقوى «8 آذار» وليس فقط «تكتل التغيير والاصلاح»، وتحديداً من جانب «حزب الله» المتوافق مع شريكه الشيعي على هذا الأمر: فإما يبقى التوافق هو الحكم، وإما لا حكومة.