لم يحِد رئيس تكتّل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون عن الخطة التي وضَعها لضمان انتخابه رئيساً توافقياً منذ أن انفتح على الرئيس سعد الحريري، وكان الحوار الشهير الذي حصَل بينهما العام الماضي تارةً مباشرة وغالباً عبر الموفدين بين الرابية و»بيت الوسط».
يومَ قرّرَ عون الانفتاح على الحريري شاورَ حليفَه حزب الله في الأمر، فرحّبَ، وأبلغَت قيادة الحزب إليه أنّها ستتلقّى بارتياح كبير واغتباط قبولَ الحريري به رئيساً توافقياً إذا حصل، إذ أكّد عون لقيادة الحزب يومها أنّه مقتنع بأنّه لا يمكنه الوصول إلى رئاسة الجمهورية ما لم ينَل تأييد تيار «المستقبل» والبيئة التي يمثّل، فلم تتردّد هذه القيادة في تأييد توجّهِه هذا إذا كان يحقّق له هذا الهدف.
صالَ عون وجال في الحوار مع الحريري، وكانت تُسَجَّل في اللقاءات القليلة بينهما في روما وفي الرياض وبيروت، وعبر ما ينقله الموفدون، والمعاونون الذين كانوا يَلتقون الحريري أو مديرَ مكتبه السيد نادر الحريري، وقائعُ إيجابية تنِمّ عن أنّ رئيس الحكومة السابق يؤيّد جدّياً ترشيحه، وبلغَت ذروة هذه الوقائع ما حصَل في اجتماع «بيت الوسط» في شباط من العام الماضي والذي احتفلَ خلاله الحريري بميلاد عون كتعبير منه عمّا يكنّه له من تقدير وتأييد سرعان ما تبدّدا بعد نحو أسبوعين، بأنْ أبلغَ الحريري إلى عون أنّه لا يستطيع تبنّي ترشيحه لرئاسة الجمهورية ما لم يؤيّده حلفاؤه مسيحيّو 14 آذار وعلى رأسِهم حزب «القوات اللبنانية» برئاسة الدكتور سمير جعجع، في وقتٍ شاع أنّ القيادة السعودية تضع «فيتو» عليه، وقيل يومَها إنّ عون عَلم بهذا «الفيتو» من قنوات أخرى، وإنّ الحريري لم يأتِ على ذِكره أمامه أو عبر معاونيه.
لم يأبه عون كثيراً لهذا «الفيتو» السعودي، وركّز اهتمامه على العمل لنَيل تأييد مسيحيّي 14 آذار الذين اشترَط الحريري تأييدَهم له حتى يتبنّى ترشيحَه للرئاسة، وبالفعل بوشِرت الاتصالات بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» عبر بعض الأقنية إلى أن ظهرَت لاحقا قناة النائب ابراهيم كنعان ورئيس جهاز الإعلام والتواصل في «القوات» ملحم الرياشي، اللذين تجَوّلا مكوكياً وطويلاً بين الرابية ومعراب إلى أن كان اتفاق بين الجانبَين على «إعلان النوايا» الذي أذيعَ في الرابية إثر لقاء بين عون وجعجع خلال العام الماضي، على أن يستمرّ التواصل لترتيب مستقبل العلاقات بين هذين المكوّنَين السياسيَين المسيحيين وترجمة «إعلان النوايا» أفعالاً على المستوى السياسي، على الأقل ربطاً بموضوع ترشيحَي الرجلين لرئاسة الجمهورية، وهما ترشيحان وصَفهما البعض بـ«الترشيحين المستحيلين» في مرحلة من المراحل لأنّهما يعطّلان بعضهما، كون كلاهما معترَضاً عليه.
ففريق 14 آذار المؤيّد ترشيح جعجع يعارض ترشيحَ عون بشدّة، وفريق 8 آذار المؤيّد ترشيح عون يعارض ترشيح جعجع بالشدّة نفسِها، إنْ لم يكن أكثر.
وقيل إنّ التواصل بين الحريري وعون لم ينقطع في ظلّ التواصل الذي كان قائماً بين الرابية ومعراب تحضيراً لـ»إعلان النوايا» وبَعده، وذلك في إطار إحاطة الحريري بما يجري على مستوى السعي إلى نَيل تأييد القوات لترشيح عون الذي جعلَ هذا الأمر هدفاً مركزياً مِن «نواياه» إزاء «القوات».
وعلى اثر لقاء «باريس – 1» بين الحريري ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية شاع بَعده أنّ الاوّل يرشّح الثاني لرئاسة الجمهورية في إطار مبادرة لم تعلَن رسمياً حتى الآن. ولاقى هذا الترشيح معارضة كبيرة لدى جعجع قبل عون، في الوقت الذي تبيَّنَ أنّه كان نتيجة ترتيب أميركي ـ فرنسي ـ فاتيكاني ـ سعودي، دشّنَه اتّصال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بفرنجية خلافاً لكلّ الأصول البروتوكولية.
هذا الواقع دفعَ عون وجعجع اللذين وجَدا أنّهما متضرّران من «المبادرة الحريرية» إلى تصعيد حركة التواصل بينهما بغية مواجهتها لإجهاضها، ففي الوقت الذي اتّهم عون حليفَه فرنجية بـ»الغدر» به متمرّداً على ترشيحه. اتّهم جعجع حليفَه الحريري بتهميشه وترشيحِ خصمه اللدود فرنجية لرئاسة الجمهورية من دون تشاوُر مسبَق معه في هذه الخطوة .
وفي الوقت الذي انعقد لقاء «باريس ـ 2» بين الحريري وفرنجية وشاع أنّه قد ينتهي بإعلان الأوّل مبادرتَه الرئاسية رسمياً، الأمر الذي لم يحصل بَعد.
رشح أنّ الرجلين أكّدا المضيَّ في المبادرة على رغم ما شهدَته مِن تراجع في الأسابيع الاخيرة، أوّلاً لأنّها لم تلقَ القبولَ لدى الفريقَين الآذاريين، وثانياً بسبب تصاعد التوتّر بشدة بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية إثر إعدام السلطات القضائية السعودية لرجل الدين الشيعي السعودي المعارض الشيخ نمر باقر النمر وما تلاه من قطعِ العلاقات الديبلوماسية بين البلدَين وتفجّر الحرب بشدّة على الجبهات الإقليمية المشتعلة.
وفي هذه اللحظة السياسية الداخلية والإقليمية أنتجَ التواصل بين الرابية ومعراب مبادرةَ جعجع بتبنّي ترشيح عون. وهذا التبنّي بمقدار ما أريدَ منه التأكيد للحريري، أقلّه من جانب عون، أنّ ذريعة معارضة «القوات» لترشيحِه قد زالت. كذلك أراد عون منها وضعَ فرنجية أيضاً أمام مسؤولياته والتزامه ما تعهّد به للوزير جبران باسيل في لقائهما في منزل الأخير في البترون إثر لقاء «باريس ـ 1».
ففي هذا اللقاء أبلغَ الأوّل الثاني أنّ الحريري رشّحه لرئاسة الجمهورية وأنّه لا يستطيع أن يرفض هذا العرض، سائلاً ما إذا كان عون يؤيّد ترشيحَه في هذه الحال، خصوصاً أن لا شيء في الأفق يشير الى أنّ فرصتَه كبيرة في الفوز برئاسة الجمهورية نتيجة اعتراض فريق 14 آذار والوسطيين والمستقلّين عليه.
وقيل إنّ باسيل سأل فرنجية في المقابل: في حال تبنّى جعجع ترشيحَ الجنرال ماذا سيكون موقفك؟ فردّ فرنجية قائلاً: «سأكون إلى جانب الجنرال».
ولذلك، يرى معنيّون، أنّ «مبادرة معراب» أريدَ منها، أقلّه مِن جانب عون، وضعُ الحريري وفرنجية أمام «التزامهما» له، الأوّل التزمَ أن يتبنّى ترشّحَه إذا وافقَ عليه حلفاؤه مسيحيّو 14 آذار الذين تشَكّل «القوات» غالبيتَهم. والثاني التزمَ في لقاء البترون أن يدعم ترشيحَه في حال تبنّى جعجع هذا الترشيح.
فهل ينَفّذ الحريري وفرنجية التزامَهما ليغدوَ عون مرشّحاً توافقياً؟ أم أنّ المبادرتين ستعطّلان بعضهما ليطولَ الشغور الرئاسي أكثرَ فأكثر في قصر بعبدا؟
سؤال ستجيب عنه التطوّرات والأحداث السياسية التي شتشهدها الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة.