يشكل الإعلان المرتقب لرئيس تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري، تأييده ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، بداية العد العكسي لدخول الأخير قصر بعبدا رئيساً للبلاد بعد أن كان غادرها رئيساً معيناً للحكومة الإنتقالية. وإذا لم ينفجر اي لغم سياسي امام عون قبيل جلسة 31 الشهر الجاري، فإن إنتخابه بات محسوماَ إستناداً الى القوى التي ستنتخبه، في مقابل معارضة كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية المتمسك بترشيحه. ولذلك يعتبر تولي عون رئاسة البلاد سابقة لم يشهدها لبنان منذ نحو ستة عقود، بحيث تمكنت هذه المرة الأكثرية المسيحية من إيصال مرشحها الى قصر بعبدا، بالتعاون والتحالف مع القوى المحمدية التي كانت تختار الرئيس من بين عدة أسماء، ثم كانت الوصاية السورية التي فرضت على المسيحيين رؤساء وقيادات عسكرية شكلت تحدياً له. وبذلك شكل تفاهم معراب بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية زخماً لإنتخاب رئيس من رحم القرار المسيحي نتيجة تأييد التيار والقوات له، وربما غير قوى سياسية على غرار رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل الذي تجري بينه وبين التيار الوطني الحر إتصالات لإنتخاب عون في جلسة 31 المقبل.
وتستغرب الأوساط السياسية المتابعة للملف الرئاسي إعتبار التفاهم الرئاسي بين التيار الوطني الحر والمستقبل بمثابة تطويق للمعارضين الحاليين لهم، وإعتبار انه يحمل بنوداً تأملية وإتفاقات إلغائية في وقت شمل بعض المواقع الطبيعية التي له حق التصرف فيها، أي رئيس للجمهورية، او اي رئيس للحكومة يتوليا رئاستهما. اذ لحظ التفاهم الحفاظ على وزير الداخلية نهاد المشنوق في «مطبخه « «السياسي- الأمني» وتولي العميد المتقاعد شامل روكز حقيبة الدفاع وتعيين العميد جوزيف عون قائداً للجيش اللبناني، وإيلاء حقيبة سيادية وحقيبة سياسية على غرار العدل، الأشغال، الصحة للقوات اللبنانية نتيجة دور رئيسه الدكتور سمير جعجع في رفع أسهم عون للوصول الى بعبدا. حتى ان البيان الوزاري سيلحظ بطريقة محددة ولمرة واحدة معادلة الجيش والشعب والمقاومة دون الإستفاضة في هذا الموضوع.
لكن اين موقع رئيس التيار الوطني الحر، الوزير جبران باسيل من هذه التركيبة الوزارية المقبلة في حال إنتخاب عون؟ تقول أوساط رفيعة في التيار بأن باسيل لن يكون في عداد الحكومة، ليتفرغ الى مهام ومسؤوليات حساسة الى جانب عون في قصر بعبدا، عدا أنه يحضر للإنتخابات النيابية لإكتساب شرعية شعبية في هذا الإستحقاق المقبل.
وأيضاً أين حزب الله من إعتراض حليفه بري، ورفضه إنتخاب حليفه عون؟ تقول أوساط مطلعة بأن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله يميل للتحضير لإجتماع موسع يضم كل من عون وبري وفرنجية وذلك للأبعاد التالية:
1- يسعى حزب الله لعدم إنفجار القنبلة التي رماها الحريري وجعجع بتأييدهما عون للرئاسة، وما أنتجت من خلافات وتداعيات يتطلب الأمر تطويقها.
2- ان حزب الله الذي سيشارك في جلسة انتخاب عون، وينتظر اعلان موقف الحريري، يخشى ان يبدأ بري بالتمايز عنه في عدد من المحطات، ويعقد اتفاقات جانبية مع غير قوى سياسية حكومية في المستقبل في اكثر من مجال وقطاع، على حساب حزب الله ومصالحه الغير إستراتيجية. وبذلك تكون الإستراتيجية الشيعية قد تهددت وبدأ الخلاف في صفوفها أحياناً.
3- يجد حزب الله حسب الأوساط بأن عدم انتخاب عون في هذه الجلسة وإنجاز الأمر في جلسة لاحقة، حيث تشكل مساحة الوقت عاملاً كافياً لتطويق العلاقات المتوترة بين عون وبري وفرنجية، بحيث يكون بري عاد من السفر في 28 من الشهر الحالي، وبدأت الإتصالات معه في مهلة الأيام القادمة لموعد الجلسة في 31. لكن عون يرفض هذا الأمر ويتمسك بضرورة إنجاز الإستحقاق في جلسة آخر الشهر اذا توفر النصاب الدستوري على ان تسوى الأمور مع بري وفرنجية كونه سيبادر تجاههما بعد إنتخابه رئيساً للبلاد.
4- يفضل حزب الله ان يكون بري وفرنجية وسائر حلفائه في عداد الحكومة المقبلة بما يمكنه من تشكيل ثلث معطل لصالحه في مواجهة تحالف عون – الحريري -جعجع، ولذلك يتمكن من ضبط آداء الحكومة لئلا يذوب داخلها اذا لم يتوفر هذا الثلث المعطل.
من هنا تقول الأوساط بأن اقتراب عون من بعبدا بات مسألة أيام ولن يقبل بعد اليوم ان يكون مصير الإستحقاق خاضع لحسابات خاصة، اذ هوتصرف بمنطق انفتاحي سمعه في كل المحطات، وبينها ابّان زيارة وزير الخارجية الفرنسي الى لبنان جان مارك ايرلوت الذي قال له: «اذا كنت تريد اصوات سعد الحريري، فعليك ان تطمئنه من خلال مواقف ومبادرات…» ولذلك فأن عون الذي طمأن الطائفة الشيعية في تفاهمه مع حزب الله، والقوات بتفاهمه مع جعجع مع إستعداده لتوسع تفاهماته المسيحية، وكذلك مع الرئيس الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، أعطى مثالاً واضحاً عن استعداده للإنفتاح وبعضها الأقل حجماً. ولذلك فأنه يرى أن الدستور والمؤسسات هما المرجع الصالح في رسم حدود العلاقات بين مكونات الوطن.