يكفي أن يستدعي رئيس “تكتل الاصلاح والتغيير” النائب ميشال عون طلاب “التيار” لوضعهم في أجواء تحرك في الشارع تحت شعار “الدفاع عن حقوق المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية، لنستنتج أن الجنرال حسم أمره بالنزول الى الشارع عبر عصب التيار الأساسي، اي الطلاب، والذين مارسوا دوراً مهماً في التسعينات من القرن الماضي ضد الوجود السوري، او ما كان يطلق عليه “التيار” آنذاك تسمية الاحتلال السوري، قبل انسحابه من لبنان في 26 نيسان 2005. واعتبر العماد عون أن “التيار” والمسيحيين عموماً ليسوا اليوم اضعف مما كانوا عليه في 13 تشرين 1989.
لم ينتظر طلاب “التيار العوني”، فعقدوا سلسلة اجتماعات استعداداً لتنفيذ قرار النزول الى الشارع، لتكن جهوزيتهم كاملة عند صدور كلمة السر، خصوصاً وأن السنة الدراسية انتهت في الجامعات، فبدأت التعبئة بين الشباب، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكأننا في التسعينات لإخراج محتل جديد أو سلطة وصاية مختلفة. وقد استعاد بعض الشباب شعارات رفعت أيام الوصاية وكأنهم على ابواب معركة كسر عظم، هي ليست مع الاحتلال السوري وفق الوصف العوني الذي ساد في المرحلة السابقة انما مع الشركاء والتحالفات التي نسجت خلال الأعوام الماضية، وشارك على اساسها العونيون في الحكم وباتوا مقررين فيه وزارياً ونيابياً وفي مواقع الدولة ومؤسساتها.
يعرف شباب “التيار الوطني” انه لا يمكنهم الحشد بالمعنى الذي كانت فيه حركتهم تضج بحيويتها في التسعينات، إذ لا قضية مركزية يتحلقون حولها، طالما أن الشعارات عامة، ويمكن لأي طرف سياسي أن يتحصن خلفها على المقلب الطائفي، فكيف نستقطب طلاب الجامعات المسيحيين على سبيل المثال في الشارع ضد خصم وهمي؟ أو “عدو” نتشارك معه الحكم ونقرر السياسات ولو بالتوافق؟ وكيف نقنع الجمهور بأن المعركة اليوم هي مصيرية ضد خصم موجود في البلد وفي الوقت عينه نتحالف معه على قضايا أخرى؟ وبما ان الشعار المرفوع لاستنفار الشارع والعصب الأساس أي الطلاب والشباب، هو الدفاع عن المسيحيين وصلاحيات رئيس الجمهورية، فلماذا هذا التوقيت بالذات حيث يدعم “التيار” معركة “حزب الله” ضد التكفيريين ويقول إنهم الخطر الأول على لبنان؟
والواقع أنه ليس مهماً ما ستؤول اليه نتائج جلسة مجلس الوزراء المقبلة، لتظهر كلمة سر “التيار” في التحرك، إذ إن استعادة المواقع المسيحية وصلاحيات الرئاسة لا تتم بإحراق “العصب” الطالبي والشبابي الذي استند اليه في معركة إخراج سلطة الوصاية السورية، فيما المعركة التي سيخوضها الشباب في الشارع اليوم هي داخلية، وكل ما يمكن أن تحققه، ليس إلا إضافة متاريس جديدة على الانقسام اللبناني الراهن والخلافات والفيتوات التي منعت انتخاب الرئيس وعودة المؤسسات. فتحرك الشباب ضد الوجود السوري نجح بالنَفَس الطويل والتراكم، أما شارع اليوم فبعيد من التسعينات!