في زحمة الملفات المفتوحة على كل جديدٍ، لا يستحيل على زوار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أن يناقشوه في كل جديد. فهو يتابع يومياً المستجدات على مختلف الصعد. فأمامه كدسة من الملفات والتقارير، التي يتابعها تمهيداً لاتّخاذ موقف منها. فلا تعوزه الدقة في الإجابة على أيّ سؤال، وليس عنده أمر لا يمكن مقاربته. فما الذي سجّله زواره في الساعات الماضية من مواقف؟
يحتار زوار قصر بعبدا في الساعات الماضية من أين يبدأون بالحديث مع رئيس الجمهورية، في ظل أجواء “العصفورية”، التي عكستها صفحات مواقع التواصل الإجتماعي، على اكثر من مستوى، من الملف الأمني، في أعقاب العمل الإرهابي في طرابلس، أم من الإستعدادات لمناقشة مشروع قانون الموازنة وما حمله مشروعها الجديد، الذي سيكون على مشرحة المجلس النيابي، من اليوم وصولاً الى قضية اللبناني – الأميركي نزار زكا، الذي ينتظر أن يعود الى بيروت حراً برفقة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، وما رافقها من جلبة، الى ما هنالك من شؤون وشجون إقتصادية ومالية وسياسية وسياحية.
يستمع الرئيس عون الى جرأة محدّثيه، ويقول: “صحيح الملفات كثيرة وما على طاولتي يكفي، أتابع التقارير يومياً”. لكن وعلى رغم كثافتها، أبدى رغبة واضحة بإلقاء الضوء على ملف مكافحة الفساد ليقدّم جردة بما لديه من تقارير يتابعها يومياً، وهي لم تكتمل بعد. فما يجري تحضيره من ملفات كبير ودقيق وبانتظار أن تكتمل المستندات سيكون هناك ما يفاجئ في الكثير من المجالات.
ويضيف امام زواره: “منذ أن تسلّمت مهامي تصلني التقارير، وكلما وثّقت المراجع المعنية ملفاً فُتح، من تلك التي تناولت الوضع في قوى الأمن الداخلي والقضاء، الى الجمارك، فالمرفأ والضمان الإجتماعي ومؤسسات أخرى. لن يُفتح ملف ما لم تكتمل الوثائق التي تدين صاحبه. والكلمة في هذا الإطار للقضاء. هذا ما يجب التركيز عليه اليوم. ولا يجب أن يكون للشائعات مكان في ظل إمكانية تحضير الملفات الموثّقة، فالشائعات كثيرة. أتابع الصحف يومياً والحمد لله أرى مجالاً واسعاً للشائعات و”الحرتقة على مين يشيل”. وبالفعل ألا تحتاج كل هذه الأمور الى التدقيق والتحقيق في صحتها قبل نشرها على الرأي العام؟
وقيل له: هل تكفي هذه الملفات الصغيرة، من ملف حفر بئر الى إمرار معاملة من هنا أوهناك، للوصول الى المال المنهوب بالمليارات. فما يعتقده اللبنانيون هو في مكان آخر في المشاريع الكبرى، وما لم تصل الأمور الى الرؤوس الكبيرة لن تكتمل العمليّة.
يقاطع رئيس الجمهورية ويرد بالقول: “صحيح الملفات الكبرى قد تكون في مكان آخر، وهي التي دفعتنا الى البحث عنها منذ العام 1993. وما إصرارنا على إجراء الجردة المالية منذ تلك الفترة، إلّا بدافع البحث عنها. فالجردة التي نجريها اليوم منذ العام 2005 أظهرت خللاً كبيراً عُهد به لقراءته ومعالجته الى ديوان المحاسبة، وهو يعمل ليلاً نهاراً لهذه الغاية. ومن المفروض أن تحال كل مكامن الخلل، التي تبرز فيها الى التحقيق. وكل ما نأمله عند إقفال هذه الجردة الكبرى لمرة أخيرة، على أن نجريها من هذا العام وصاعداً بشكل سنوي، كما يجب أن تكون. فقطع الحساب الواجب إنجازه يجب أن يكون سنوياً، كما يقول القانون والدستور، وما جرى لم يكن فيه شيء من هذا القبيل. إنّ من أهم وسائل مكافحة الفساد وضع موازنة سنوية وكما يجب أن تكون. وهو ما سنعمل به من العام المقبل، فأنا على قناعة أنّ وضع موازنة يجب أن يكون بكامل المواصفات”.
وعندما يسأله زواره عمّا إذا كان مقتنعاً بما ورد في مشروع موازنة 2016، من ضرائب ورسوم “فايشة” على المواد المستوردة وأرقام السيارات المميّزة، التي فتحت لها الأسواق السوداء وزجاج الفوميه ومحسومات الرواتب من دون البحث عن الضرائب “الغميقة” وغير المباشرة، وهل ستعتمد الإستثناءات فيها لتحييد آلاف الأرقام المميزة لدى عائلات المسؤولين، يردّ الرئيس عون أمام زواره مبتسماً “كلو بيجمع” ولن تكون هناك استثناءات ابداً.
وأضاف مستذكراً نكتة مهضومة عندما سأله أحدهم عمّا إذا كان يقدّر حجم فاتورة شخص لديه رخصة مسدس ولوحة من 3 أرقام ومفيّم سيارتو وراح أخد نفس أرغيلة؟ واستطرد ليقول: “إنها السنة الأخيرة التي تتأخر فيها الموازنة عن موعدها الدستوري وموازنة العام 2020 ستكون منجزة قبل 31 كانون الأول 2019 من دون أيّ نقاش”.
وسئل عن الوضع الأمني وما جرى في طرابلس عشية الفطر، وطريقة مواجهتها ومعالجتها بالشكل الذي لجأ اليه، وما قامت به القوى العسكرية والأمنية، فاستطرد الرئيس عون ليقول: “عملنا منذ اللحظة الأولى في مواجهة الإرهاب، ولإنهاء الوضع الشاذ على الحدود وفي الجرود. فكانت عملية “فجر الجرود” التي توّج فيها الجيش الإستعدادات، التي أُنجزت ونظّفنا الجرود من الإرهابيين. ونسعى اليوم لكشف ما هو مخفي لاقتلاع الخلايا النائمة متى واينما وجدت. ونترقب اليوم بحذر ما يمكن أن يتأتّى من “حرب ادلب”. هناك معلومات عن قياديين إرهابيين قد فرّوا من المنطقة وقد ينجح بعضهم بالوصول الى لبنان ونحن نقوم بما يلزم لرصد حركتهم. فالمعابر والوسائل، التي يمكن أن يلجأوا اليها وُضعت تحت المراقبة اللصيقة، ونحتفظ بسرية ما نقوم به. فالعمليات التي تعزز هذا التوجه جارية. وما حصل فوق الأرض في طرابلس قبل أيام رآه كل الناس، وباتوا على علم به، ولكن ما يجري تحتها هو مهمة القوى المعنية، فنحن نراقب للتثبت ممّا إذا كانت عملية لـ “ذئب منفرد” او مجموعة “ذئاب منفردة”.
واضاف: “هناك مجموعة توقيفات حصلت والتحقيقات جارية لمعرفة ما هو مخفي حتى اليوم من معلومات ووقائع”.
ولمّا قيل له إن إلغاء نسبة عالية من حجوزات عيد الفطر حصل بعد خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، شكّك الرئيس عون بالرواية، وقال: “الصيف لم يبدأ، ومع ذلك أتت إلى لبنان “زرافات ووحداناً” أكثر ممّا توقعنا، وشهرا تموز وآب باتا على الأبواب وننتظر المصطافين العرب والسياح الأوروبيين، ليكونوا بيننا في لبنان وعلينا طمأنتهم سلفاً بأنّ الأمن في لبنان وسلامتهم خط احمر”.
ولما سُئل عن اللغط الحاصل حول قضية نزار زكا، قال: “تلقيت كتباً ومناشدات منذ أن أوقف نزار في طهران، والتقيت بعائلته وتابعت مفاوضات كانت تجرى للتبادل ولم تنجح. ولما قدّرت أنه لا يجوز أن تطول قضيته تحرّكت. نزار لبناني قبل أن يكون أميركياً ايضاً ولا يجوز تركه وحيداً. تدخّلت لدى الرئيس حسن روحاني، الذي أبدى تجاوباً. وكلفت المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم ليقوم بما يلزم فهو رجل هذه المهمات وسيأتي به الينا، أما كيف ومتى فهو أمر متروك لحينه. ولذلك كل ما كتب وقيل خارج سياق هذه الحقائق لا تأخذوا به فلا أساس له على الإطلاق.