لقد باتت المعادلة واضحة. رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يراهن على خشية العهد من الانهيار الشامل الذي يطيح بآخر مكتسباته ويشطب كل خططه وطموحاته، فيقدم على التنازلات المطلوبة منه حكومياً… لمصلحة رئيس “تيار المستقبل”. ولهذا لا كلام عن اعتذار أو تراجع في قاموس رئيس الحكومة المكلّف.
الاعتقاد السائد لدى هذا الفريق ولدى العديد من البعثات الدبلوماسية أنّه لن يكون بمقدور رئيس الجمهورية التضحية بكل شيء، لأنّ توريث جبران باسيل، ومستقبله على المحك. بهذا المعنى، لا يزال فريق سعد الحريري مقتنعاً أنّ الوقت لمصلحته، ولا خيار أمامه سوى الانتظار قليلاً قبل أن يدعوه رئيس الجمهورية لوضع بعض اللمسات الأخيرة على مسودته الحكومية، بشكل يسمح له بالخروج من هذه المعركة “منتصراً”، من خلال فرض صيغة الأمر الواقع تحت عنوان حكومة الاختصاصيين، التي يكون للحريري فيها بعض “الودائع”، وتحديداً في الحصّة المسيحية.
إذ يعتقد العونيون أنّ رئيس الحكومة المكلّف يحاول تعويض ما تعرّض له من خسائر وتنازلات طوال السنوات الماضية سواء بفعل قانون الانتخابات أو بفعل اتفاق الدوحة الذي أرسى قواعد جديدة فرضها انقلاب الرابع عشر من شباط 2005، لتكريس أعراف جديدة علّه يتمكن من تمديد أمدها وفرضها على وقع التطورات الاقليمية.
لكن العونيين يردّون بالمقابل أنّ الانهيار الحاصل لن يدفع العهد ثمنه لوحده، مشيرين إلى أنّ رهان الحريريين ليس في محله، لأنّ الوقت لن يدفع برئيس الجمهورية أو برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى التراجع. يقولون: أنتم لا تعرفون ميشال عون، ليس من طينة الرجال الذين يضعفون في اللحظات الصعبة، لا بل يزداد تشدداً وصلابة. ولذا فإنّ اعتماد سياسة المماطلة والاتكاء على عضلات المبادرة الفرنسية لفرض شروط تنازلية على العهد، لن تؤتي ثمارها.
ويتساءل العونيون: لنفترض أنّ “التيار الوطني الحر” هو أكثر المتضررين من الخراب المالي والاقتصادي، ولكن من أقنع “تيار المستقبل” أنّه يقف على الضفّة المنتصرة؟ من أقنعه أنّ التطورات الاقليمية ستكون لمصلحته؟ ويضيفون: “ها هو رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يعترف بنفسه أنّ ما ينتظر المنطقة لن يكون لمصلحة محوره”، في إِشارة إلى التغريدة التي كتبها جنبلاط وعاد وسحبها بعدما قال فيها إنّ “اخطر شيء هم هؤلاء المثقفون المرتبطون بمراكز الدراسات التي تحلل وتنتهي باستنتاجات على حساب طموحات الشعوب”، معتبراً ان “تعيين السيد روبرت مالي كممثل خاص للبيت الابيض لدى ايران فاتحة شؤم”. وقال: “اذكر تلك الواقعية التي ضحت بالثورة السورية في بداياتها”. ثم عاد وغرّد قائلاً: “لقد سحبت الانتقاد حول تعيين روبرت مالي من قبل وزارة الخارجية الاميركية كممثل خاص لدى ايران كي لا يفسر البعض انني التقي مع مجموعة المحافظين اليمينيين في الولايات المتحدة”.
ويشير العونيون إلى أنّ التدهور الدراماتيكي الحاصل، قد تصعب معالجته في أشهر معدودة، ما يعني أنّ العهد قد ينتهي من دون أن يتمكن “التيار الوطني الحر” من تسطير انجازات تذكر في مجال الأزمة الاقتصادية – المالية التي تحتاج إلى جهود استثنائية وظروف محددة، لا تزال غير متوافرة، وفترات طويلة من العمل، قد لا تكون متاحة. ولهذا يؤكدون أنّ الضرب على وتر الضغوطات الشعبية والمالية لن يدفع رئيس الجمهورية إلى تقديم أي تنازل، ولن يتمكن خصومه من إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، لدفعه إلى التخلي عن المكتسبات السياسية التي حققها قبل توليه رئاسة الجمهورية، أي قبل العام 2016. وهذا ما يدفعهم إلى التأكيد: لا تراهنوا على ضعف ميشال عون. وينهي هؤلاء بالإشارة إلى أنّ كل التطورات تشي بأنّ العامل الخارجي هو الذي بات متحكماً بمسار الداخل اللبناني.