شكّل التجاذب الذي حصل بين وزيرة العدل المستقيلة ماري كلود نجم ومجلس القضاء الأعلى على إسم المحقق العدلي عاملاً حاسماً يعزّز عدم ثقة اللبنانيين عموماً وأهالي المناطق المنكوبة خصوصاً، بإمكان توصّل التحقيق المحلي إلى مكان ما يكشف حقيقة الإنفجار المدمّر الذي وقع في المرفأ.
تأتي المفاجأة من المكان غير المتوقّع، إذ إنّ الجميع يعرف جيداً أن “حزب الله” لا يرغب بأي تحقيق دولي، وذلك لإعتبارات عدّة أبرزها أنه يعتبر كل شيء خارجي لا يمرّ به سيُحوّل ضده، وأن إسرائيل والولايات المتحدة الأميركيّة تملكان النفوذ الأكبر في العالم وتستطيعان تحريك كل شيء كما تقتضي مصالحهما، لكن الأهم أن الفريق المعارض يردّد أن هذه المواد المتفجرة قد تكون لـ”الحزب” علاقة بها، أو قد يكون هناك مخزن أسلحة له إنفجر وفجّر نيترات الأمونيوم.
لكن السخط الكبير يأتي من أهالي الجميزة والأشرفية والكرنتينا والمدوّر وبرج حمّود وكل المناطق التي تضرّرت، وتلك المناطق ذات أغلبية مسيحيّة موصوفة والأضرار وقعت فيها ومعظم الجرحى والشهداء ينتمون إليها، وقد حلّ الدمار فيها، لذلك يستغربون موقف العونيين الذين يريدون طمس الحقيقة.
وفي الأدبيات العونية، أنه ومنذ عودة العماد ميشال عون من باريس في العام 2005، رفع شعار إستعادة حقوق المسيحيين وخاض كل المعارك على هذا الأساس، وحصد النسبة الأكبر من مكاسب الدولة والتعيينات لجماعته تحت عنوان إستعادة الحقوق، في حين أن المسيحيين يحلمون بالهجرة في عهده، وعند إندلاع الحرائق في الشوف ومناطق عدّة خرج النائب العوني ماريو عون للسؤال “لماذا تندلع الحرائق في المناطق المسيحية فقط؟”.
أما اليوم، وأمام هول تلك الكارثة فإن العهد وفريقه يبذلان أقصى الجهود لضياع الحقيقة في قضية إنفجار المرفأ، الذي أصابت شظاياه المناطق المسيحية في العاصمة وضواحيها ودمرتها، وكأن هذا الشعار سقط لسببين حسبما يقول الأهالي: السبب الأول لأن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يريد ذلك وما على العهد العوني إلا التنفيذ، لذلك أتى رفض عون سريعاً للجنة تحقيق دولية، أما السبب الثاني فهو أن العهد متورّط بقضية تفجير المرفأ إما إهمالاً أو تقصيراً، علماً أن المدير العام لأمن الدولة العميد طوني صليبا قد أبلغ عون في تموز الماضي بوجود نيترات الأمونيوم وتشكيلها خطراً كبيراً، لكنّ عون لم يتحرّك، واعترف أمام الإعلاميين بأنه كان على علم بوجود هذه المادة ولكن ليس من صلاحياته التحرّك في المرفأ.
ويعبّر أهالي المناطق المدمّرة عن صدمتهم لرفض عون والعونيين تأليف لجنة تحقيق دولية، كما يكشفون عن ذهولهم لحظة قال عون إنه كان يعرف ما في المرفأ، وأكد أنّ لجنة التحقيق الدولية مضيعة للوقت، وبالتالي فإن الأهالي الذين فقدوا بيوتهم وأحبّاءهم يشاهدون كيف أن السلطة متحاملة عليهم، علماً ان الضغط الدولي أدى إلى القبول بمشاركة الـ “أف ب آي” ومحقّقين فرنسيين تقنياً في التحقيق.
وما يزيد من غضب الأهالي أكثر ويدفعهم إلى الظن أن العهد وأدواته يريدون طمس الحقيقة، هو تصرفات وزيرة العدل المستقيلة ماري كلود نجم التي كانت ترفض بشدّة الإستقالة من الحكومة لأنها تريد أن تتابع مجريات التحقيق، وظهر الأمر كأن هناك شيئاً ما يرغبون بإخفائه أو حرفه عن مساره، لكن ما عزّز الشكوك أكثر هو السجال الذي حصل والأخذ والردّ في تعيين محقّق عدلي، حيث أصرّت نجم على قاضٍ من خطّهم، في حين رفض مجلس القضاء الأعلى هذا الأمر وأصرّ على أن يكون القاضي موثوقاً.
وأمام هذه الوقائع، وفي ظل الفشل في حسن سير التحقيق الداخلي ورفض التحقيق الدولي الكامل والإكتفاء بالإستعانة بالخبرات الدولية، فإن العهد والسلطة و”حزب الله” يريدون تمييع التحقيق، وسط إستفاقة اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً على هول النكبة، وتوالي الإتهامات المسيحية بأن العهد و”التيار الوطني” يريدان إخفاء الحقيقة ويخافان من التحقيق الدولي ويساهمان في تجهيل من دمّر المرفأ والجوار، وبالتالي سقطت كل الشعارات باستعادة الحقوق المسيحية.