IMLebanon

كائنات عونية لا تحتمل خفتها

في المتن الشمالي، وزير ونواب ووزراء سابقون ورؤساء مجالس بلدية ومرشحون وآخرون لا ينتمون إلى الفريق السياسيّ نفسه فحسب، وإنما إلى حزب سياسيّ واحد. يمكن تخيلهم حول طاولة واحدة يبحثون في رغبتهم المشروعة بتثبيت حضورهم عبر حشد علاقاتهم المتشعبة والمتناقضة وقدراتهم المالية والخدماتية والتشريعية والإعلامية والشعبية، لإطاحة خصومهم وتحقيق وعودهم بالإصلاح والتغيير، إلا أن هؤلاء يتصرفون عكس ذلك، على نحو يستحيل فهمه أو تبريره.

بداية، كانوا يسابقون بعضهم بعضاً لتبني تزفيت طريق أو إضاءة آخر، كأن الناخب ينتخبهم كأشخاص لا كفريق سياسي، علماً أن “أكثرهم وزناً” لا يساوي، من دون التيار الوطني الحر، ألفي صوت، إلا أن الحالة تطورت. لم يعد ميشال المر وحزب الكتائب والقوات اللبنانية خصوماً. انتقلت الخصومة ووضع العصي في الدواليب الى صفوف العونيين أنفسهم: يسعى أحدهم جاهداً لمنع الآخر من تعيين مدير أو مجرد موظف من فريقهما السياسي في “الدوائر العقارية” أو “الضمان” أو غيرهما، حتى لو أدى ذلك إلى ذهاب الوظيفة الى مناصر للمر أو للكتائب. يجمعون الملفات عن بعضهم بعضاً، متناسين خصومهم، حتى سقطت تحت عيني الجنرال كل الخطوط الحمر، بعدما استخدم هؤلاء ضد بعضهم بعضا أسلحة لم يجرؤوا على إشهارها في وجوه خصومهم.

أول من أمس، انهار حائط دعم الطريق البحري في منطقة ضبية. اتصل رئيس المجلس البلدي في البلدة بالنائب ابراهيم كنعان لوصله بالوزير المعنيّ من أجل معالجة القضية، وهذا ما حصل. كان يمكن أن تنتهي القصة هنا. لاحقاً، زار النائب نبيل نقولا وزير الأشغال العامة لبحث الأمر وأصدر بياناً للرأي العام (!). بعد ساعتين، أطل كنعان، لـ 73 ثانية، في نشرة أخبار “أو تي في” بوصفه أحد نواب المنطقة في سياق متابعة القناة لأزمة الطريق. هنا “الحفلة” بدأت. اتصالات برئيس المجلس البلدي تحرضه على كنعان لوجوده في موقع التصوير مع أحد مناوئي رئيس المجلس. استنفار للصحافيين. وبدل أن تستنفر صحيفة “الجمهورية” أو إذاعتا القوات والكتائب للنيل من الجهود العونية، بادر موقع “المدى” المحسوب على التيار، بشخص الوزير الياس أبو صعب، إلى مهاتفة وزير الأشغال ليعنون “زعيتر: فوجئت بكلام كنعان لأن ملف حيط ضبية موقّع من شهر”(!) علماً أن الحائط انهار أول من امس، لا من شهر. وهكذا، أصدر رئيس المجلس البلدي – المحسوب على الحزب القومي والنائب المر – بياناً أعاد فيه وضع النقاط على الحروف شاكراً كنعان، وهو ما كان يستدعي استنفار المر طبعاً، إلا أن اعتراضات هائلة وزيارات عتب وغيرها حطت على كتفي المر. ممن؟ من زملاء كنعان.

العونيون الذين يغارون على بعضهم بعضاً فيسعون للإضاءة على إنجازاتهم والتعتيم على العثرات، يصدمون مما يرونه ويسمعونه يومياً. بلغت التجاذبات بين عناصر الفريق الواحد مستوى لا يطاق. وبعيداً عن الأخبار المتداولة في الإعلام هناك تشهير أخلاقي لا يصدق. لا علاقة لما يحصل بالتنافس الحزبي الطبيعي أو التجاذبات التقليدية أو سعي السياسيين الصحي للتفوق على بعضهم بعضا. لا أحد يتسلى بما يحصل إلا بعض من سبق تعدادهم، ولا أحد يستفيد من قريب أو بعيد إلا خصوم التيار. لا يمكن رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون التفرج أكثر.