«التيّار العَوني» فرض نفسه كحال شعبيّة مؤيّدة للعماد ميشال عون منذ نهاية تسعينات القرن الماضي، وقد تعزّزت هذه الحالة بعد نفي «الجنرال» إلى فرنسا في 28 آب 1991، لتبلغ ذروتها عند عودة العماد عون إلى لبنان من منفاه الفرنسي في 7 أيّار 2005، وتحديداً عندما نجح في كسب نحو 70% من أصوات الناخب المسيحي في الإنتخابات النيابيّة التي نُظّمت في أيّار وحزيران من العام 2005. وبغض النظر عن حجم التراجع الذي لحق بشعبيّة «الجنرال» بعد توقيع «وثيقة التفاهم» مع «حزب الله» في 6 شباط 2006، وخصوصاً بسبب تعثّر وعود «الإصلاح والتغيير» على مدى عقد من الزمن، لا يزال «التيّار العَوني» الذي تحوّل إلى نواة حزب يحمل إسم «التيّار الوطني الحُر»، يجهد للتحوّل إلى حزب فعلي ديمقراطي نموذجي. لكن الأحداث المُتسارعة على الساحة اللبنانية، والخلافات داخل «التيّار العَوني» نفسه حالت في السابق دون تحقيق هذا الهدف. فهل أنّ الأمور مُختلفة حالياً، بعد تحديد العشرين من أيلول المقبل موعداً لإنتخابات منصب الرئاسة في «التيّار الوطني الحُر»، أم أنّ المُستجدّات الداخليّة على الساحة اللبنانية، والخلافات المُستحكمة بين أجنحة «العَونيّين» ستطيح مرّة جديدة بهذا الموعد؟
بحسب أوساط سياسيّة مُطلعة على واقع «التيار الوطني الحُرّ» حالياً، إنّ التحضيرات مُتواصلة داخل أروقة «التيّار»، وكأن الإنتخابات حاصلة في موعدها لا محالة، حيث تشهد أروقة «التيّار» الداخلية حركة ناشطة، ولو بعيداً عن الإعلام. وأضافت أنّ المعركة الأهم ستكون على منصب رئاسة الحزب ونائبيه والتي يُفترض أن تتم بعد نحو شهرين من اليوم، علماً أنّ كل الإجراءات اللوجستيّة التمهيديّة تسير بوتيرة طبيعيّة تحضيراً لهذه الإنتخابات التي طال إنتظارها. ومن المُفترض بحسب «خريطة الطريق» المُعلنة والهادفة إلى تحويل «التيّار العَوني» إلى حزب ديمقراطي فعلي، أن يُفتح باب الترشيحات لمنصب الرئاسة قبل شهر من موعد إجراء هذه الإنتخابات، أيّ في العشرين من آب المقبل، على أن يُقفل قبل أسبوع من تاريخ إجرائها، أي في الثالث عشر من آب. وحتى اليوم، لم يتقدّم أحد بترشيحه رسمياً، لكنّ البعض ألمح إلى إحتمال دخوله المعركة الإنتخابيّة، في حين يتداول الناشطون في «التيار الوطني الحُرّ» عدداً من الأسماء كأبرز المُرشّحين المُحتملين.
وفي هذا السياق، أكّدت الأوساط السياسيّة المُطلعة على واقع «التيار»، أنّ أبرز المُرشّحين لرئاسة التيّار هو «الجنرال» نفسه الذي سيبقى رئيساً في حالتين: الأولى في حال فرضت التطوّرات السياسيّة اللبنانية المُرشّحة للتصعيد في الأسابيع القليلة المقبلة، إرجاء الإنتخابات الحزبيّة للتيّار مرّة جديدة، أو في حال قرّر العماد عون قطع الطريق على تنامي الخلافات الداخلية في أوساط حزبه وترشّح لمنصب الرئاسة، قطعاً للطريق أمام صراع الأجنحة وصراع «الأنسباء»! وبحسب الأوساط نفسها، فإنّ المُرشّح الثاني من حيث الأهمّية هو صهر «الجنرال» الوزير جبران باسيل، والذي يُتهم من قبل «خصومه» بأنّه نجح في نيل رضى ومباركة العماد عون لهذا المنصب سلفاً! وأضافت أنّ المُرشّح الثالث الذي يملك بدوره فرصاً جدّية للفوز برئاسة التيّار فهو إبن شقيقة العماد عون، النائب عن المقعد الماروني في بعبدا آلان عون، الذي يتميّز عن باسيل بأنّه من المؤمنين بالقيادة الجماعية كفريق عمل واحد داخل «التيّار» وبعدم إستفراد الرئيس بكل الصلاحيّات، وبأنّه من المؤمنين بسياسة إنفتاحية على مختلف الجهات السياسيّة في لبنان بدون إصطناع عداوات لا جدوى منها مع الإحتفاظ بمبادئ «التيّار» العامة.
ومعركة الأنسباء قد لا تنحصر بالوزير باسيل والنائب عون تضيف الاوساط حيث أنّها قد تشمل إبن شقيق العماد عون، أي الناشط والقيادي «العَوني» نعيم عون، والمعروف بتموضعه على طرفي نقيض مع الوزير باسيل، وبأنّه من أكثر المطالبين بإدخال الإصلاحات على «التيّار الوطني الحُر» ليتحوّل إلى حزب ديمقراطي فعلي، والذي تردّد أكثر من مرّة أنّه قد يُعلن إنشقاقه عن «التيّار» في حال فشله في تحقيق أهدافه الإصلاحيّة، أو في حال إكتشافه أنّ مسألة الإنتخابات الرئاسية مُحضّرة مُسبقاً ولن تكون ديمقراطيّة فعليّاً. ومن الضروري الإشارة إلى أنّه وعلى الرغم من أنّ العميد شامل روكز يحظى بشعبية ساحقة في صفوف مناصري «التيّار الوطني الحُرّ» فإنّ إسمه غير مطروح في المرحلة الحالية، كون خدمته في الجيش اللبناني لا تنتهي قبل 15 تشرين الأوّل المُقبل، وبالتالي من غير المسموح له المُشاركة بأي نشاط حزبي، علماً أنّ النظام الداخلي الذي جرى تبنّيه في «التيّار» يقطع طريق الترشّح عليه في المُستقبل القريب، عبر فرض بند يستوجب أن يكون أيّ مُرشّح لمنصب رئاسة «التيّار» يحمل البطاقة الحزبيّة كناشط في «الحزب» لمدّة خمس سنوات على الأقل.
وأضافت الأوساط السياسيّة المُطلعة على واقع «التيار»، أنّه بعيداً عن مجموعة «أقارب» و«أنسباء» العماد عون، فإنّ الصراع على قيادة «التيّار» قد يشمل أيضاً النائب إبراهيم كنعان والنائب زياد أسود، لكنّ معرفة كل من النائبين المذكورين بتوجّهات «الجنرال» الداخليّة، ستدفعهما إلى الترشّح لمنصب نيابة الرئاسة وليس الرئاسة، بهدف عدم إغضاب العماد عون الذي يؤكّد في العلن أنّه سيقف تماماً على الحياد، لكنّ الكثيرين يعرفون أنّه ضمنيّاً يُحبّذ وصول الوزير باسيل إلى منصب الرئاسة، ويعمل من أجل ذلك. ولفتت الأوساط السياسيّة نفسها إلى أنّه من هذا المنطلق، فأنّ المعركة قد تنحصر عندها على منصبي نيابة الرئاسة، علماً أنّ كل الأمور والخيارات مفتوحة.
وختمت الأوساط السياسيّة المُطلعة على واقع «التيار»، أنّه في حال تمكّن التيّار من إتمام إنتخاباته في موعدها الجديد بشكل ديمقراطي، فتكون خطوة مميّزة تُحسب له، لكنّها توقّعت أنّ تطغى تطوّرات الأحداث المُرتقبة في لبنان في خلال الأسابيع القليلة المُقبلة على أيّ إهتمامات ثانوية، خاصة بالنسبة إلى «التيار الوطني الحُرّ»، بحيث يكون التأجيل مرّة جديدة هو الخيار المُعتمد، أو في أفضل الأحوال سيتمّ تنظيم إنتخابات شكليّة يسبقها حسم «من تحت الطاولة» لموقع الرئاسة الذي سيكون من حصّة الوزير باسيل، على أن تنحصر المعركة «الديمقراطيّة» عندها بموقعي نيابة الرئاسة بين «الأنسباء» المُتخاصمين.