Site icon IMLebanon

التجربة العونية تُسلّط الأضواء على الأحزاب الإنهاك يضرب الجميع مع تداعيات الفراغ

كشفت التجربة التي لم يخضها “التيار الوطني الحر” في انتخابات داخلية كان يفترض انها الاولى في تاريخه وتجنبها بالذهاب الى التوافق حرصا على عدم انقسامه في أزمة عميقة لا تقتصر على التيار وحده فحسب بل تشمل سائر الزعامات السياسية كما الاحزاب وزعماء الطوائف والطوائف نفسها. لكن كون التيار تجاوز الاستحقاق الانتخابي الذي كان مترتبا عليه متجاوزا شعارات يحاول ان يطبقها بالضغط على البلد لجهة ان يقول الشعب كلمته فينتخب رئيس الجمهورية مباشرة أو رفض التمديد لمجلس النواب ولسائر القيادات في الوقت الذي لا يستطيع أو يرفض تطبيقها على اهل بيته انما يعكس معايير مزدوجة أو على الاقل فان بين الشعارات والممارسة هوة شاسعة لجهة التساؤل لماذا يوفر العماد ميشال عون على بيته تجربة يفترض ان تكون ديموقراطية في الوقت الذي يعطل البلد لرفضه التوافق على رئيس جديد للجمهورية متجاوزا الاتفاق أو التوافق ما لم يسبغه على نفسه؟ وهو كان اسبغ على تياره طابعا ديموقراطيا مختلفا عن سائر الاحزاب الاخرى على رغم التوقع المسبق والمزمن لتوريث صهره جبران باسيل رئاسة التيار، لكنه اظهر انه يحاول ان يغلف تياره بإطار براق مختلف ليس الا.

ثمة ظواهر انهاك تضرب الاحزاب استبق النائب وليد جنبلاط التوصيف في شأنها. لا مظلة فوق رأس أي منها في هذه المرحلة. وهذا الانهاك الذي يعتبره البعض افلاسا ينسحب على الجميع من دون استثناء تقريبا ولو فتحت الباب على ذلك التجربة العونية التي احتلت الواجهة في الاسابيع الاخيرة من باب تظاهرات لم يتم الاستجابة لها ومن باب انتخابات تهيب زعيم التيار اجراءها خشية تشرذم تياره. انهكت أزمة الفراغ المستمرة في الموقع الرئاسي الاول وعدم انتظام عمل المؤسسات الدستورية الجميع انطلاقا من ان الانتظام الدستوري للدولة هو من يحميهم جميعا ويحمي العمل السياسي للاحزاب لجهة تأطير حركتها وطموحاتها. وفي غياب هذا الانتظام وتنطح كل فريق أو حزب أو طائفة لفرض اجندته الخاصة ومصالحه، فان غالبية هؤلاء باتوا عرضة للاستنزاف في ظل انعدام أي اوراق يمكن ان يقدموها الى اللبنانيين وعجزهم الكلي عن المبادرة في ظل انتظار ممض للخارج لكي يعطي كلمة السر لانطلاق العملية السياسية في البلد. ففي موازاة هذا العجز ثمة هامش كبير متاح امام سياسات كيدية تهمل شؤون المواطنين وتزدري بحقوقهم ومصالحهم ومستقبلهم ما ساهم في المس بصدقية المطالب التي يرفعها البعض منهم وربما احقية هذه المطالب كما هي حال التيار الوطني الحر مثلا.

فالعناوين التي اطلقها الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله اخيرا واستقطبت كل الاهتمام لجهة الموقف من ترشح العماد عون حجبت “الانتصارات” المفترضة الموعودة للحزب ليس فقط في سوريا وعلى الحدود بل في دعم الحوثيين في اليمن والخسارة المرتقبة والمؤكدة للمملكة العربية السعودية كما كان قد قال والتي تسبب من خلالها بتوتر مع دول الخليج، فيما قوافل الشهداء الشباب من الحزب تظهر حجم ضريبة الدم التي يدفعها والاستنزاف الذي يعيشه على وقع تسيّب شارعي لا يمكن اغفاله في بعض مناطقه. وتاليا ذهب الامين العام للحزب في موضوع الرئاسة الى ما يشغل اللبنانيين عن وعوده الاخرى ويحيد انظاره عما يفترض حصوله من انتصارات وعد بتحقيقها بسرعة في المجال السوري والعربي. لم يسأله احد كما لم يعد احد يولي ضرورة انسحابه من سوريا اهتماما اوليا وترك وحده يبرر لجمهوره ومناصريه العدد المتزايد من الشهداء بين صفوفه في مقابل تراجع الحماسة الداخلية لجهة المخاوف التي اثارها في حملته على التكفيريين في عرسال أو جرودها.

واذا كان الاستنزاف يطاول الافرقاء السياسيين الذين في الواجهة اكثر من غيرهم فضلا عن ان الخسائر الكبيرة تتناسب غالبا والحجم السياسي أيضاً، فان تيار المستقبل ينتقل من تحد الى آخر ان على المستوى الداخلي للتيار أو على مستوى حضوره وقدرته على المبادرة السياسية. ثمة مشكلات مادية تثقل كاهل هذا التيار لكن على كتفه حمّالا من ضمن طائفته في ممارسة القدرة على قيادة جمهوره هو الآخر في ظل انتقادات وانقسامات لم تعد خافية بحيث بات غياب الرئيس سعد الحريري لأسباب مبررة في الغالب عاملا يساهم ليس في الفراغ في الساحة السياسية بل أيضاً من ضمن تياره لجهة حضوره السياسي وفاعليته من دون اهمال تعرضه لحملات سياسية تنجح في استقطاب العداء له في بعض الاوساط أو الطوائف ومن دون اهمال تفجر ملفات مؤذية كملف النفايات الذي طاول تياره بنسبة كبيرة كما طاول النائب وليد جنبلاط وتسبّبت بأذية سياسية لهما.

وحدّث ولا حرج عن حال كل من قوى 8 و14 آذار والاهتراء الذي طاول كل منهما وساهمت فيه حال الافرقاء بالمفرق والجملة في هذا الجانب أو ذاك، لكن التباينات يتم اخفاؤها في حين انها باتت كبيرة. وهذا الاهتراء للفريقين الكبيرين الاساسيين (ثمة من يقول انهما لم يعودا قائمين فعلا) كان ليكون في الواجهة لولا ان حال الاصطفاف السياسي لا تزال العامل الاقوى الذي يشد بعض القواعد الشعبية التي ضعفت بدورها نتيجة غياب الرؤية والقيادة والمشروع السياسي.