بكركي تتمسّك بإتفاق القيادات الأربع وليفز من يحصل على الأكثرية النيابية
حظوظ عون باتت معدومة في الوصول إلى قصر بعبدا وعليه أن يُعيد فتح قنوات مع خصومه السياسيين في مسعى للوصول إلى تفاهم وطني على انتخاب رئيس توافقي
المبادرة التي أطلقها رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون لحل أزمة الاستحقاق الرئاسي عبر الاستفتاء الشعبي المسيحي لم تصمد أكثر من ثلاثة أيام بعدما اصطدمت بمعارضة مبدئية وتقنية من معظم القيادات السياسية ورؤساء الكتل النيابية بينهم يُعتبرون حلفاء للنائب عون كالرئيس نبيه برّي الذي كان واضحاً جداً في معارضته للمبادرة العونية كونها تحتاج إلى تعديل دستوري في ظروف غير مؤاتية للبحث في أي تعديل.
وثمّة من يزيد فيقول إن المبادرة العونية ولدت في الأساس ميتة، لأنه سبق لرئيس تكتل التغيير والإصلاح أن طرحها كحل ممكن في نظره لمأزق الانتخابات الرئاسية العالق بين الضاحية والرابية منذ سنة كاملة لأسباب تتعلق باتفاق ضمني بين حزب الله وعون للإطاحة باتفاق الطائف وربما بالنظام القائم لمصلحة نظام جديد يقوم على أساس المثالثة بدلاً من المناصفة الذي يحافظ على حقوق المسيحيين، وقد جاء الجواب في حينه من معظم القيادات المسيحية والإسلامية برفض هذا الاقتراح الذي يحتاج في الدرجة الأولى إلى تعديل دستوري ينسف كل الأسس التي قام عليها النظام الديمقراطي البرلماني، ليحلّ مكانه النظام الرئاسي الذي لا يتناسب مع التعددية الطوائفية التي انطلقت على أساس الميثاق الوطني ومن ثمّ إتفاق الطائف.
لكن هذا السقوط السريع للمبادرة العونية يكشف عن الخلفية التي انطلق منها رئيس تكتل التغيير والإصلاح للعودة إلى طرحه السابق وهي يقينه بأن حظوظه في احتلال قصر بعبدا مجدداً بدعم من سلاح حليفه حزب الله أصبحت معدومة بعدما أبلغه أمين عام الحزب في آخر لقاء بينهما أنه لن يذهب في تأييده إلى حدّ فرضه بقوة المدفع على اللبنانيين وعليه أن يستفيد من هذا الدعم ويسوّق نفسه مع الآخرين الذين لا يرون رأي الحزب في هذا الأمر تحديداً استناداً إلى حسابات سياسية داخلية وخارجية وبالعودة بالتالي إلى المناورة السياسية على أمل أن تحصل متغيّرات خارجية إذا وقّع الاتفاق النووي مع إيران بصورة نهائية في آخر شهر حزيران المقبل، وصدور تكليف أميركي لحكومة طهران بإدارة شؤون ملف الاستحقاق الرئاسي في لبنان بما يُشكّل لها تعويضاً عن تراجع نفوذها مستقبلاً في الملفات الإقليمية الأخرى كاليمن التي فقدت فيها المبادرة والعراق وسوريا التي تسير فيها على ذات الطريق.
وإذا كانت معارضة قيادات قوى الرابع عشر من آذار للمبادرة العونية طبيعية نظراً للخلاف المستحكم بينها وبين رئيس تكتل التغيير والإصلاح على أمور وقضايا أساسية تمسّ جوهر النظام والثوابت الوطنية التي يؤمن بها قادة 14 آذار، وجاء ردّها السلبي على مبادرته الأخيرة امتداداً لهذه الخلافات الجوهرية، فإن معارضة الرئيس نبيه برّي القوية للمبادرة نفسها، تحمل العديد من الأسئلة التي يُفترض بالنائب عون أن يطرحها على نفسه وأولها هل يمكن أن يتخذ رئيس المجلس هذا الموقف من دون الاتفاق مع حليفه حزب الله الحليف الأساسي بالنسبة إليه، في حال كان الحزب متمسكاً بهذه المبادرة، ويضع يده إلى جانب النائب عون لكي تصبح أمراً واقعاً في حال لم يتسنَّ له تمريرها عبر القنوات الدستورية، وهل يصح القول أن الرئيس برّي يمكن أن يضحي بتحالفه الاستراتيجي والمصيري مع حزب الله، ويغرّد بهذا الشكل المفضوح خارج السرب، وإذا لم يكن مثل هذا الأمر ممكناً أو مسموحاً به فلماذا إذاً اتخذ الرئيس برّي مثل هذا الموقف الذي قطع الطريق نهائياً على طموحات رئيس تكتل التغيير والإصلاح في اقتناص رئاسة الجمهورية ضارباً بالتوافق الوطني وبالتركيبة اللبنانية بعرض الحائط.
وإذا كان النائب عون تأخّر في طرح هذه الأسئلة، فإن خيبة أمله من موقف رئيس مجلس النواب سوف تحتّم عليه إعادة طرحها على نفسه لعلّه يفيق من حالة الذهول التي استولدتها معارضة حليفه أو حليف حليفه الرئيس برّي لاقتراحه حلولاً كما يقول لأزمة الاستحقاق الرئاسي من خلال الانقلاب الموصوف على اتفاق الطائف الذي كرّس الميثاقية والنظام الديمقراطي – البرلماني ولا بدّ من أن يصل إلى نتيجة واحدة وهي أن حظوظه باتت معدومة في الوصول إلى قصر بعبدا حتى ولو استمر حزب الله في دعمه وعليه أن يُعيد فتح قنوات مع خصومه السياسيين وبخاصة مع رئيس حزب القوات اللبنانية في مسعى جديد للوصول إلى تفاهم وطني على انتخاب رئيس توافقي من خارج طرحه للرئيس القوي الذي يدغدغ طموحاته، علماً بأن آخر الاستفتاءات في الشارع المسيحي لا تصبّ في مصلحته بعدما تراجعت شعبيته عن السنوات الماضية بنسب كبيرة فاقت حساباته القديمة، وحتى الجديدة التي لا يريد أن يعترف بها.
أوساط بكركي التي لم تعطِ جواباً إيجابياً بالنسبة الى المبادرة العونية، ألمحت أمام زوارها إلى أنها تستغرب أن يطرح عون مبادرة لانتخاب الرئيس بالاستفتاء الشعبي في حين أن الحل لأزمة الانتخابات الرئاسية إنوَجَد منذ أن اجتمعت القيادات المسيحية الأربع الأكثر تمثيلاً قبل أن تتعمّق أزمة الاستحقاق واتفقت في ما بينها على أن يأتي أحدها رئيساً للجمهورية بوصفه الأكثر تمثيلاً، وهذا الحل ما زال قائماً في حال نزل الأربعة مع نوابهم إلى ساحة النجمة وتركوا لمجلس النواب أن يختار واحداً منهم، والذي تختاره الأكثرية النيابية يكون هو الرئيس القوي الذي يُرضي طموح وشروط رئيس تكل التغيير والإصلاح.’