تفتح نتائج اقتراع الناخبين في دائرة بيروت الأولى، لا سيما الأشرفية، جدلاً حول قدرة الأحزاب على تجييش مناصريها وإلزامهم بالتصويت «للأسود» عبر الادعاء بأنه ناصع البياض. ويفترض بالتيار الوطني الحر إعادة النظر في خياراته التي لم تجسّد في انتخابات بيروت البلدية نبض الشارع وتطلعاته
تقود الانتخابات البلدية في دائرة بيروت الأولى الى خلاصتين رئيسيتين: أولاها أن القيادي في التيار الوطني الحر زياد عبس ومعه هيئة بيروت الأولى هما الرابحان الأساسيان، وثانيتهما أن «زعيم» الأشرفية وزير السياحة ميشال فرعون لم يعد يمثل صوت عائلاتها.
في الشق الأول، تمكن عبس الفائز حديثاً بالانتخابات الحزبية على مرشح القيادة، استكمال ربحه في الانتخابات السياسية. فبعدما وصلت الهيئة التي يدعمها برئاسة جورج تشادجيان، نال مرشحه المنفرد الى المخترة في وجه تحالف الأحزاب بما فيهم التيار الوطني الحر 1000 صوت في الرميل في مقابل 2900 صوت لآخر الفائزين من اللائحة الرسمية للأحزاب؛ وهو رقم يستحق التوقف عنده. بداية، للتيار في الرميل نحو 200 حامل بطاقة، ما يؤكد أن كل ملتزم تمكن من تأمين صوت إضافي على صوته لمرشح عبس. زد على ذلك بعض أصوات المؤيدين للوزير السابق شربل نحاس وللائحة «بيروت مدينتي».
وإذا كان من أمر لافت في انتخابات الأحد الماضي، فهو أن نداء رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون الى العونيين بالتصويت للائحة «البيارتة» لم يلق الصدى المطلوب في الأشرفية ولا في الرميل أو الصيفي. ما حصل يؤكد أن عصب هيئة القضاء شكّل الفارق الأكبر في طريقة تصويت العونيين، علماً بأن مسؤولين في هذه الهيئة كانوا قد عبّروا صراحة عن نيتهم دعم لائحة «بيروت مدينتي» والوزير السابق شربل نحاس.
برهنت نتائج الأشرفية أن خيارات العونيين سياسية، وتعبّر عن مزاج الشارع البرتقالي المعادي للحريرية
وأن يحصد مرشح الهيئة وعبس إلى المخترة، إيلي ميشال نصار، نسبة تعادل 30% من الأصوات التي حصدتها لائحة الأحزاب في الرميل، فيما في وجهه المرشح الرسمي للتيار ـــ علماً بأن ماكينته والهيئة لم تعملا سوى في آخر 48 ساعة عند استثنائهما من المفاوضات وتسمية المرشحين ـــ يشير بما لا لبس فيه إلى أن الهيئة، المدعومة من عبس، تمثل فعلاً الأرض العونية التي صوتت لها في الانتخابات الحزبية. من ناحية أخرى، برهنت نتائج الأشرفية أن خيارات الناخبين العونيين ـــ سواء بالمقاطعة أو بالاقتراع لغير لائحة السلطة ـــ هي خيارات سياسية، وتعبّر عن مزاج الشارع البرتقالي المعادي للحريرية ومن يمثلها. كان يمكن تلمّس الاحتقان العوني من تيار المستقبل على مواقع التواصل الافتراضي، وخاصة بسبب دعم الحريري لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية الى رئاسة الجمهورية ضد «الجنرال»، فيما سهّل مهمة التشطيب الخيار الثاني الذي حمل اسم شربل نحاس والمجتمع المدني ككل. يقول أحد عونيي الأشرفية المحنكين في هذا السياق إنه كان على الرابية «التقاط رسالة الحراك وطريقة تفاعل العونيين معها لفهم نبض الشارع أولاً؛ وبات من الصعب إلزام المناصرين بالاقتراع للائحة تناقض توجهاتهم السياسية، حتى لو كان التيار ممثلاً فيها وتحظى بدعم القيادة، ثانياً».
قيادة التيار البرتقالي قرأت ما جرى. فمن ناحية، عبّرت عن امتعاضها من أداء الهيئة، فأحالت منسّقها جورج تشادجيان على المجلس التحكيمي للتيار. ومن جهة أخرى، بدأت تفنيد النتائج. يفسر مصدر مقرّب من القيادة ما حصل في بيروت بأنه «نقمة مسيحية على الحريري. إلا أن خيار تحالف التيار معه كان لتأمين المناصفة والحضور في المجلس البلدي. مجرد وجودنا في البلدية يحدث خرقاً لما كان سائداً». فبرأيه «١٢ عضواً مسيحياً قادرون على إحداث تغيير وإصلاح»، حتى لو كانت الاحزاب التي ينتمي اليها جزء من هؤلاء الأعضاء «تبصم» لتيار المستقبل «على بياض». ويضيف المصدر أنه «لولا هذا التحالف مع المستقبل لما كنا أمّنا المناصفة، لأنه الناخب الاكبر في بيروت»، قبل أن يستطرد: «حلوة الشعارات، بس إذا ما في إمكانية لتحقيقها ما منكون عملنا شي». في المبدأ، «رسالة الناخبين العونيين وصلتنا وسنعمل على التعاون مع المجتمع المدني، أو بالأحرى يجب عليه التعاون معنا، فهو من كان يرفضنا».
العائلات تخذل «زعيم» الأشرفية
في الوقت الذي حسمت فيه السياسة خيار الناخبين بالنسبة إلى جمهور التيار الوطني الحر، لا ينطبق هذا القول على جمهور وزير السياحة ميشال فرعون. فقد دأب فرعون على أن يكون الحليف الأول لتيار المستقبل، ومحرك عائلات الأشرفية الكبيرة باتجاه التصويت «زيّ ما هيّي». ومن المسلّم به في الأشرفية أن النفوذ الأساسي فيها ليس لأي حزب بقدر ما هو لفرعون، غير أن ما حصل الاحد الفائت أظهر تراجعاً كبيراً في تجاوب الناخبين مع النائب البيروتي. ولا يمكن القفز فوق ثلاثة عوامل كشفت ضعف الخاصرة الفرعونية: 1ــــ مقاطعة رئيس مجلس إدارة سوسييتيه جنرال أنطون صحناوي وإيعازه الى العائلات، خصوصاً تلك التي تنتمي الى كرم الزيتون حيث مكتب فرعون، عدم التصويت بلدياً بعكس عام 2010 حيث كان يدعم خيار فرعون ويسانده. 2ــــ نصف جمهور وزير السياحة حزبي يتوزع ما بين القوات والكتائب، ومجرد دخول الأحزاب على خط التجييش الشعبي، أدى الى تفضيل الناخبين للأحزاب على سواها. وخيار الكتائب والقوات هذه المرة لم يكن لمصلحة الاقتراع للائحة «البيارتة» كاملة، لعدة عوامل تتعلق بالسياسة وطريقة تقاسم الحصص، ما دفع بهم الى اللجوء إلى التشطيب. وقد أصابت شظايا هذا التشطيب مرشحي فرعون، لا سيما أنه كان المفاوض الأبرز على طاولة توزيع الجبنة البلدية والاختيارية بين الأحزاب المسيحية، الأمر الذي ساهم في انخفاض معدل الاقتراع لمرشحيه الاختياريين إن في الأشرفية (الياس حداد وبشير عبد الجليل) أو في الرميل (منير الكيال وناجي صالحاني) حيث حلّا في آخر لائحة الفائزين. 3ــ النصف الآخر من الناخبين الفرعونيين هم من صلب «المجتمع المدني» المناصر لقوى 14 آذار. ومجرد ظهور خيار ثان يمثل هذا «المجتمع» الناقم على أداء 14 آذار في السنوات الأخيرة، أدى الى انتقال هذه الأصوات من حضن فرعون الى أحضان «بيروت مدينتي» الأقرب إلى تطلعاتهم. ما جرى ربما سيمثل جرس إنذار لفرعون يدفعه إلى إعادة تفعيل عمل مكتبه الخدماتي المغلق.