يوماً بعد يوم تضيق المسافة الفاصلة عن 22 أيلول المقبل، تاريخ إحالة قائد الجيش العماد جان قهوجي إلى التقاعد. وقد باتت هذه المسألة الشغل الشاغل لحركة «التيّار الوطني الحرّ» السياسيّة الحاليّة، في معركة جديدة خارج سياق التطوّرات الإقليميّة البالغة الأهمّية، حيث لا يخرج أيّ مسؤول «عونيّ» على وسائل الإعلام إلا ويتحدّث عن هذه المسألة التي تحوّلت إلى «خطّ أحمر» لرئيس «تكتّل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون. ومع نهاية كل إجتماع للتكتّل، يكون التركيز الإعلامي على موضوع «رفض التمديد للأمنيّين» من دون إعارة الإهتمام اللازم لأيّ ملف سياسي آخر، أكان داخلياً أم إقليمياً. وباتت القيادات «العونيّة» تتحدّث عن «الإستقالة من الحكومة» وليس فقط «المُقاطعة»، وذلك «في حال لم يتمّ إحترام الدستور في التعيينات». فهل التهديد العوني بالإستقالة سيسلك طريق التنفيذ فعلياً، أم أنّه مُجرّد تهويل إعلامي؟ وهل سيُجاري الحلفاء ضُمن تحالف قوى «8 آذار» بخطّه السياسي العريض، «الجنرال» في خطوة الإستقالة من الحكومة في حال مَضى قُدماً في تنفيذها؟
مصادر سياسيّة مُطلعة لفتت إلى أنّ تلميحات العماد عون وتهديداته بالإستقالة من الحكومة جدّية مئة في المئة، وهي تهدف إلى الضغط على الحلفاء قبل الخصوم لحثّهم على مُساندته سياسياً ودُستورياً وإعلامياً في هذه المعركة، وعدم ترك الأمور تنجرف تدريجاً إلى أمر واقع جديد مفروض على الجميع، كما سبق أن حصل عند التمديد لمجلس النوّاب، لمرّتين متتاليتين. وأضافت أنّ «الجنرال» يُحاول من خلال رفع مُستوى الضغط قبل فترة زمنيّة لا بأس بها من إنتهاء المُهل، قطع الطريق على أيّ محاولة لتمرير مسألة التمديد للقادة الأمنيّين، وأنّ الوقت في نظره كاف لبتّ مسألة تعيين قادة جُدد. ولفتت هذه الأوساط إلى أنّ موعد إحالة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص إلى التقاعد في 5 حزيران، أيّ بعد نحو شهر ونصف الشهر، يُعطي فكرة إستباقيّة عن إتجاه الأمور، حيث من غير المُمكن التمديد لقائد قوى الأمن في منصبه وتعيين قائد جديد للجيش، أو العكس. فقرار التمديد إمّا يُتّخذ لكل من بصبوص وقهوجي وإما يتم تعيين خَلفين لكليهما، على الرغم من تلميح بعض القوى السياسيّة، ومن باب المناورة لا أكثر، أنّ المعطيات التي تفرض التمديد حالياً، قد تزول في الأشهر المُقبلة، وتؤدّي إلى تعيين بديل للعماد قهوجي. حتى أنّ قرار التمديد أم عدمه لقائد الدرك العميد إلياس سعادة الذي تنتهي ولايته في 22 أيّار المُقبل يُعطي فكرة مبدئيّة عن الموضوع.
وأشارت الأوساط السياسيّة إلى أنّ حديث مسؤولي «التيّار الوطني الحرّ» عن أنّ موقفهم المُعارض للتمديد للعماد قهوجي في منصبه، لا ينطلق من مواقف وحسابات شخصيّة، بل هو موقف مبدئي يرفض أيّ شكل من أشكال التمديد في مُختلف مناصب الدولة، صحيح جزئياً وليس كلّياً، لأنّ «التيّار» سبق له أن عارض التمديد لمجلس النوّاب، وطعن في هذا القرار أمام المجلس الدستوري، ثم عاد وتأقلم مع الأمر الواقع، وكأنّ شيئاً لم يكن. وسألت: «ما المانع من أن يتأقلم «التيّار» مُجدّداً مع التمديد للأمنيّين، في ظلّ عدم إمكان تعيين قادة جُدد في المرحلة الراهنة، ما لم تكن المسألة تهدف إلى إبعاد العماد قهوجي عن قيادة الجيش، وتلقائياً عن كونه مُرشّحاً أساسياً لمنصب الرئاسة؟!».
وأضافت الأوساط السياسيّة أنّه وفي حين أنّ موقف «التيّار الوطني الحرّ» محسوم بالتصعيد، في حال تمرير أيّ تسوية في ملفّ الأمنيّين من دون موافقته، كما حصل في ملفّ المجلس النيابي، فإنّ مواقف «الحلفاء» لا تُجاري العماد عون في اندفاعته، أقلّه حتى تاريخه. ومن المعروف أنّ التيار «العوني» مُمثّل مُباشرة في الحكومة الحالية بكل من الوزيرين جبران باسيل وإلياس بو صعب، باعتبار أنّ الوزيرين روني عريجي وأرثيور نظريان المحسوبين ضمّن حصّة «تكتّل التغيير والإصلاح» سيلتزمان حُكماً بقرار حزبيهما، مع التذكير بأنّ «تيّار المردة» الممثّل في الحكومة بالوزير عريجي سبق له أن أعلن أنّه مع التمديد للعماد قهوجي إذا كان الخيار محصوراً بين التمديد أو الفراغ، ومع التذكير أيضاً بأنّ حزب «الطاشناق» الممثّل في الحكومة بالوزير نظريان سبق له وأن دخل في تباين كبير في المواقف مع العماد عون عند التمديد السابق للعماد قهوجي في تمّوز 2013. وتابعت الأوساط السياسيّة أنّ مُضيّ «التيار الوطني الحرّ» في تصعيده ضدّ مسألة التمديد للأمنيّين إذا ما تمّ تمريرها، لن يُلزم «الحلفاء» تلقائياً، خاصة وأنّ الأطراف الدوليّة كافة تُغطّي مسألة الحفاظ على الإستقرار في لبنان، حتى لو إقتضى الأمر التمديد للأمنيّين في مناصبهم لتعذّر إنتخاب بُدلاء عنهم.
وأضافت الأوساط السياسيّة أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» يُراهن على أنّ إستقالة وزيريه من الحكومة ستُفقدها «ميثاقيّتها»، كون خروج «التيّار» منها سيُضاف تلقائياً إلى عدم مُشاركة حزب «القوات اللبنانيّة» فيها أساساً، ما يعني غياب تمثيل أكبر تكتّلين نيابيين مسيحيّين وأكبر حزبين مسيحيّين من حيث الخلفيّة الشعبيّة أيضاً. وتابعت لكنّ كل المُعطيات المتوافّرة حتى الساعة تُؤكّد أنّ أولويّة «حزب الله» لا تزال في الحفاظ على الإستقرار الداخلي النسبي، وعلى إستمرار عمل الحكومة في ظلّ الشغور الرئاسي وتكبّل عمل مجلس النواب. وطالما أنّ موقف «الحزب» هو كذلك، فإنّه من المُستبعد أن يُجاري أيّ طرف من قوى «8 آذار» العماد عون في أيّ خطوة تصعيديّة تهدف إلى تفجير الحكومة من الداخل.
وشدّدت الأوساط السياسيّة نفسها على أنّ «حزب الله» الذي يخوض حالياً حروباً ميدانية وسياسية وإعلامية ضارية على أكثر من جبهة على إمتداد الوطن العربي، يعتبر أنّه من الأفضل في الظروف الراهنة عدم خربطة التوازنات القائمة وعدم تعريض الإستقرار الداخلي لأيّ «خضّات»، لكنّه حريص في الوقت عينه على عدم إغضاب حليفه الأساسي في الضفّة المسيحيّة، لذلك يعمل بجُهد خلف الكواليس على إيجاد المخرج الملائم لمُشكلة التمديد للأمنيّين، عبر مُحاولة إشراك العماد عون في أيّ تسوية مُقترحة لإرجاء كل المشكلة إلى مرحلة لاحقة.
وختمت المصادر السياسيّة نفسها بالقول إنّه ما لم يصدر قرار إقليمي يَقضي بإسقاط حكومة الرئيس تمّام سلام، لقلب كل المُعطيات على الساحة اللبنانيّة رأساً على عقب ولفرض مُعادلات أمر واقع جديدة، إنّ مجاراة حلفاء العماد عون في الحكومة له في أي خطوة تصعيديّة، مثل الإستقالة من الحكومة لتفجيرها من الداخل، مُستبعدة جداً، مع بقاء كل القنوات مفتوحة لإيجاد مخرج ـ تسوية يُرجئ المُشكلة إلى مرحلة أكثر هدوءاً.