العلاقة بين الرابية وبنشعي «مدوزنة» تحت السقف
العونيون و«المردة».. حماية ما تبقى من التحالف
من تسنى له الاستماع الى مداخلة سليمان فرنجية خلال الجلسة الأولى للحوار، بوقوفه خلف طرح العماد ميشال عون الرئاسي مدافعاً عن فكرة المرشح القوي بتمثيله لناسه، ثم مداخلته في الجلسة الثانية للحوار بغياب عون، يظنّ أنّ الرجل يكاد يكون في أول أيام تفاهمه مع الجنرال ولا يزال على حماسة النشأة التي لا يشوبها غبار التراكمات ونزلات الخلافات.
فعلياً، ليس البيك من الصنف الذي يقوم بدور تمثيلي كي يرضي غرور حليفه أو يكسب تأييده، وهو أكثر السياسيين شفافية وقولاً للحقائق والأمور كما هي. هو فعلاً يكن ودّاً خاصاً للجنرال، كما سبق وأكد أكثر من مرة بأنّ الهامش الأبوي في العلاقة له مكانته الكبيرة، حتى في لحظات التوتر والتباين في الآراء، وهو عبّر عن قناعاته ليس مسايرة لأحد.. ولكن هذا لا يعني أبداً أن العلاقة في شهر عسلها.
ولهذا أيضاً كان من البديهي أن يخرج عن صمته في التاسع من تموز الماضي وعلى أثر التظاهرة الأولى للتيار البرتقالي، ليقول بالعلن ما يتمّ تداوله في صالونه المغلق حول ملاحظاته على العلاقة مع «التيار الوطني الحر»، بعدما بدا هناك ضرورة ملحة لوضع النقاط على الحروف علها تكون الطريقة الأسلم لإعادة تسوية العلاقة.
حصلت هذه المقاربة حين طاف كوب انزعاج «المرديين» من أداء حلفائهم «البرتقاليين» تجاههم كونهم يتعاملون معهم على قاعدة التبعية لا الندية. في الرابية يؤخذ القرار وفقاً لحسابات وتقديرات جنرالها، وعلى الحلفاء التنفيذ من دون حتى الاعتراض. آخر تلك النماذج، استدعاء الوزير روني عريجي الى اجتماع في وزارة الخارجية لإبلاغ مكونات «تكتل التغيير والاصلاح» بأنّ التيار قرر النزول الى الشارع وعلى الحلفاء مشاركته هذه النزلة.
طبعاً، قبل تلك الخطوة لم تُسأل بنشعي عن رأيها في هذا التحرك ولم يُسمع موقفها ما اذا كانت تؤيده ام لها ملاحظات.. أم نظرة أخرى. كل ذلك حصل بالتزامن مع اللغط الذي أثاره موقف ميشال عون من طرح الفدرالية، حيث بدا أن الرجل مؤيد لهذا الطرح رغم التوضيحات التي كان يقدمها فريقه بأنّ الجنرال زرك في الخيارات الى درجة اللجوء الى خشبة الفدرالية وليس ايماناً بها.
عند ذلك، اضطر سليمان فرنجية الى التدخل والاستعانة بالمنبر ليعيد توضيح المغالطات كما يراها، خصوصاً أنّ الرجلين اختلفا أيضاً في مقاربتيهما لمسألة التعيينات العسكرية، مع أن فرنجية من أصدقاء العميد شامل روكز وكان يفضل وصوله الى رأس الهرم العسكري، لكنه في الوقت عينه يرذل الفراغ في قيادة الجيش ولا يحبذ وصول الضابط الأعلى رتبة في حال احالة العماد جان قهوجي الى التقاعد.
بالنتيجة، لم يكن هذا الافتراق بين حليفي السنوات العشر إلا النقطة التي طاف معها الكوب الذي سبق له أن استوعب الكثير من حوادث التصادم بين الفريقين، الناجمة عن غياب التنسيق أولاً، الأمر الذي اشتكى منه سليمان فرنجية في أكثر من مناسبة ولكن من دون حصول أي تصحيح في العلاقة، وثانياً بسبب شخصيتَي الجنرال والبيك اللتين لم تحتملا أن يتنازل أي منهما للآخر.
فالجنرال افترض أن فرنجية سيتصرف كما بقية مكونات التكتل ليكون جزءاً منه وحاضراً في كل اجتماعاته، فيما البيك احتفظ بهامش خصوصيته وترك مسافة بين بنشعي والرابية، ما ساهم في تراكم الخلافات.
ومع أنهما يعرفان هذا الواقع جيداً، إلا أن محاولات تنقيته بدت نادرة جداً. إحداها جرت في منزل العميد شامل روكز التي كانت بمثابة جلسة مصارحة ومصالحة جدية. ولكن بعدها لم تتكرر المحاولة، فعاد الإناء لينضح بما يختزن من تشوهات للعلاقة.
ومع ذلك لا تزال العلاقة، بطلعاتها ونزلاتها، مدوزنة تحت السقف المضبوط، بسبب حرص الطرفين على الحفاظ عليها وصونها من العواصف الرعدية. ولهذا تكثفت المشاورات خلال الأسابيع الأخيرة في محاولة لتطويق الخلاف وتضييق حجمه، منعاً لتفلت الأمور وخروجها عن السيطرة.
هكذا يلتزم «المرديون» خيار «العونيين» في ما يتصل بالحكومة، فيشاركون في جلساتها حين يشارك البرتقاليون ويعتكفون حين يعكتف هؤلاء، ولكن شرط أن لا يصل الأمر الى حدّ الاستقالة، فلهذا الخيار حسابات أخرى. حتى جلسة المشاركة «النص نص» الأخيرة، كان «المردة» في جوّها مسبقاً وقد جرى التنسيق معهم في كيفية التعامل معها.
ومع ذلك بدا جلياً أن ثمة اختلافاً حول الأولويات. بالنسبة لفرنجية الغلبة راهناً هي للملفات الحيوية واليومية، كالنفايات على سبيل المثال، على اعتبار أن القضايا الأكبر تتطلب حالة إجماع داخلي مع تقاطع اقليمي، وهذا الأمر صعب في هذه الأيام، فلماذا تضييع الوقت بأمور لم يحن أوانها بعد؟
بينما الأولوية لا تزال بالنسبة للرابية، للملف الرئاسي. واذا استحال ذلك تتوجه الأنظار الى الانتخابات النيابية وقبلها قانون الانتخابات. ولهذا مثلاً، لا يقتنع المرديون بمطلب حلفائهم بوضع بند قانون الانتخابات على جدول أعمال تشريع الضرورة الذي يجدونه حاجة ملحة لتسيير شؤون الناس، خصوصاً أنّ الجميع يعرف ومقتنع بأنّ مطلب قانون الانتخابات فيه الكثير من الضبابية: أي مشروع يفترض إلحاقه بجدول الأعمال اذا كان المجلس يحتضن حتى اللحظة عشرات المشاريع؟
وحتى الحوار بين الرابية ومعراب لم يهضم بسهولة من جانب بنشعي، مع أنها كانت السباقة الى فتح القنوات مع القواتيين ولكن من دون منح سمير جعجع امتياز التطبيل والتزمير وتنظيف سجله العدلي. اللجنة المشتركة بين «المردة» و «القوات اللبنانية» لا تزال تعمل بهدوء وصمت، ونجحت في تكريس نوع من الهدنة الإعلامية بين الخصمين مع احتفاظهما بخلافهما السياسي ولكن من دون استفزاز وتجريح شخصي.
وبينما كان بعض المسيحيين يعتقدون أن سليمان فرنجية سيكون الرقم الثاني بعد ميشال عون، ها هو الحوار العوني ـ القواتي يمهد الطريق أمام سمير جعجع ليكون الرقم 2. ومع ذلك لم يسجل البيك اعتراضه على الحوار العابر للاصطفاف الماروني ـ الماروني، وأبقى الماء في فمه.
بالنتيجة، ثمة قناعة لدى الفريقين بأنّ العودة الى الوراء صارت صعبةً، بمعنى استعادة النمط الأول للعلاقة حين قررا السير معاً في الخط نفسه. الحسابات كما الاعتبارات تغيرت، وهذا ما انعكس على أداء الفريقين تجاه بعضهما البعض. أكثر ما يمكن فعله راهناً هو تجنّب الخضات وحماية ما تبقى من العلاقة، من التدهور الدراماتيكي.