نكايات سياسية من وليمة «سمك لبن تمر هندي»
«العونيون» بين الشعارات.. والجيش والرئاسة
يحكم الترقب والارباك والعجز السياسة في لبنان. والدقة تقتضي القول، إن الترقب والارباك والعجز تتحكم، على الارجح، بغياب السياسة في لبنان، بكل مفاهيمها ومعانيها وترجماتها اليومية، من القضايا «الكبرى» الى «الصغرى». اوضح مثالين: تسليم رئيس مجلس النواب اللبناني، بأن الحل في الشأن السياسي الابرز، اي انتخاب رئيس جمهورية، صار خارجا عن الارادة او القدرة اللبنانية. ويتجسد المثل الثاني بعجز كل الاطراف السياسية عن تناول ملفات النفايات والكهرباء والمياه وادارتها كأبسط مقومات الحياة الكريمة، وحقوق المواطنين.
ووسط هذا الخواء، تبدو الصراعات الداخلية اقرب الى النكايات والتنكيد. هذا يفسر مثلا، تزايد «محبّي» العماد جان قهوجي، في هذه المرحلة، في الاوساط التي تعارض العماد ميشال عون. كما يفسّر التفاف عدد كبير من «المعجبين» بالعماد عون من باب كره خصومه. لكن مَن مِن هؤلاء المعجبين والمناصرين والمؤيدين سيكون مع العماد عون، على الارض، في الدعوة التي وجهها الى التظاهر؟ ما هي العناوين والشعارات التي سيحملها ويرفعها المتظاهرون؟ هل سيكونون بأعداد كثيفة؟ في وجه من ستكون هذه التظاهرة؟ في وجه الحكومة التي له ولحلفائه فيها حصة وازنة؟ لم لا يستقيل منها؟ هل هي في وجه المؤسسة العسكرية؟ هل يحتمل الوجدان المسيحي اية مواجهات مع الجيش أفرادا وقيادة؟ أليس قائد الجيش، ايّا كان اسمه، هو الموقع الماروني الثاني في السلطة؟ كيف يمكن لقائد جيش سابق ان يفترض امكانية التفريق بين الجيش وقيادته، خصوصا في ظروف حرجة يخوض فيها الجيش مواجهات عسكرية مع الارهابيين؟
اول رد فعل على كلام عون ودعوته جاءت من نائب في «14 آذار» وصف المؤتمر الصحافي الذي عقده بـ «سمك، لبن، تمر هندي»، في اشارة الى خلطه الامور والقضايا بعضها ببعض. قال النائب: «لم افهم كيف استطاع عون ان ينتقل في خطاب واحد من الكلام عن الجيش واللعب بالدستور الى حرمانه المنحة وهو مراهق وصولا الى مساءلة وزير الداخلية عن احالة موظف الى التحقيق؟. كيف بدأ الكلام عن رفض شخصنة الخلافات وانتقل الى كلام يشبه كلام العجائز في القرى من نوع: نحن ما منمزح مع حدا.. لو نزل نصّنا على الارض ما منلمه، لينتقل الى الدعوة الى انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية؟. وخلص النائب الى اعتبار ان «المؤتمر بدا محاولة غير موفقة على الاطلاق لشد العصب واستعراض البطولات. خلط الامور ببعضها. قال الكلام ونقيضه. عاد لتبني العمل في المحافل الدولية من اجل خروج الجيش السوري، وهو ما كان حاول التخفف من مسؤوليته في مرحلة سابقة. حاول ان يذكّر بنضالات الشباب في تلك المرحلة لعلّهم يكررونها. لكنه حين وصل الى الدعوة الى التظاهر قالها بإرباك وارتباك وعجلة وأسرع في النزول عن المنبر».
الا ان سياسيا مستقلا يقرأ في دعوة عون ما هو ابعد من الاعتراض. «هو يريد من الآن ان يقطع الطريق على العماد قهوجي في الوصول الى رئاسة الجمهورية. يستخدم الشارع لهذه الغاية ليقول له وللمعنيين في الداخل والخارج إن بقاء قائد الجيش في السباق الرئاسي سيكون دونه شارع واحتجاجات. اذا سلّمنا ان هذا حقّ من حقّوقه طالما ان الشارع يستجيب لدعوته، الا أن السؤال الذي سنكتشفه اليوم هو معرفة الشعار الذي ستسير خلفه التظاهرة. في الحقبة السابقة كان الخروج السوري من لبنان. وهو واضح ومباشر وجذاب، خصوصا متى ترافق مع شعار الحرية والسيادة والاستقلال. لكن ما هو شعار هذه المرحلة؟ استعادة حقوق المسيحيين؟ ممن؟ من سلطة هو شريك فيها؟ ام من قائد الجيش الذي يحارب على اكثر من جبهة؟ عدم قدرة عون على ابتكار عنوان للتظاهرة يعكس، على صغر دلالته، أزمة في خطابه وسلوكه».