خلع وزير الخارجية جبران باسيل الـ«تيشرت» الصفراء ونظّارة الـ«راي بان» البرتقالية، ودخل الى مجلس الوزراء بـ«لوك» رسمي. لم يطلق مفاجأة داخل الحكومة، كما وعد قبيل الجلسة، وخرج ليكرّر سمفونية «المظلومية» نفسها، حيث قال إنه «كان واضحاً في جلسة مجلس الوزراء الاستخفاف بحجمنا كما في تحرّكنا الشعبي، ولا نقبل أن يتم السطو على صلاحيات رئيس الجمهورية التي نمثّلها جزئياً»!
إذا كان باسيل يرى في تسيير عمل الحكومة وشؤون المواطنين سطواً، فماذا يُسمّي مَن يمعن في تعطيل إصدار القرارات الحكومية الى أن يتمّ فرض اسم «العديل» قائداً للجيش؟ وإذا كان لا يحق لرئيس مجلس الوزراء رفض إدراج بنود في جدول الأعمال، فكيف يحق لطرفٍ من الأطراف الممثلة في الحكومة أن يفرض جدول أعمالٍ على هواه، تحت طائلة خطف الحكومة وتعطيل البلد والتهديد بالشارع؟
ليتخيّل باسيل وعمّه وجمهورهما أن رئيس الحكومة تمام سلام يريد تعيين قريب له في منصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي، ويفرض على الجميع الموافقة على مراده، ويرفض مناقشة أي بند آخر في مجلس الوزراء قبل إعطائه ما يريد تحت طائلة التعطيل. هل يستسيغ الجنرال هذا الفعل من غيره، وهي ببساطة الآلية التي يسمّيها شراكة وحقوقاً تاريخية؟ ولما الخلاف على آلية العمل الحكومي وعلى صلاحيات رئيس الجمهورية؟ يستطيع الجنرال أن يعيد الصلاحيات الى صاحبها بمجرّد حضوره جلسة انتخاب رئيس للجمهورية. ألم يقل عون إن «داعش» والتكفيريين يهدّدون مسيحيي المشرق؟ لماذا يعطي الجنرال خدمات مجانية لهذا «التكفير»؟ لماذا يساهم في قطع رأس الرئاسة؟ لو كان الجنرال آبهاً بـ«حقوق المسيحيين»، لتجرّع سمّ التنازلات الذي تجرّعه قبله مسؤولون من كافة الطوائف، ولسارع في المشاركة بانتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في منطقة تعجّ بالمتغيّرات. لكن جلّ ما يفعله الجنرال، هو استثارة مشاعر المسيحيين ليصدّقوا أن وجودهم في الشرق رهن بتعيين صهره الأول وزيراً للخارجية وصهره الثاني قائداً للجيش وبتنصيب نفسه رئيساً للجمهورية. إما أن يتمّ ذلك كله أو لا رئاسة ولا حكومة! المشكلة ليست في الفهم العجائبي للشراكة على الطريقة العونية، بل باستسهال العبث بالبلد وإثارة كل أنواع الغرائز الطائفية وتهديد العيش المشترك حفاظاً على «حقوق العائلة».
قد تكون الهستيريا العونية التي ظهرت في الاحتجاجات الهزيلة أول من أمس، ناجمة عن قناعة هذا التيار في أن تعطيل عمل الحكومة والضغط الذي يمارسه على ما تبقى من المؤسسات الدستورية، لن يوصل الى نتيجة. فلا مصلحة لـ«حزب الله» حالياً بالسير مع حليفه في توتير الأجواء الداخلية، أو بالاستغناء عن الحكومة والاستقرار، بينما ينشغل في الحرب السورية. أقصى ما يمكن أن يقدّمه «حزب الله» لحليفه البرتقالي، هو شيء من التغطية الإعلامية لتحركاته في الشارع، وبعض المقالات في صحف «الممانعة»، بانتظار تسويات المنطقة. حتى أن إحدى القنوات التلفزيونية سألت مسؤولاً عونياً عن موقف «حزب الله» من التحرك في الشارع، فصرخ بوجه المراسلة قائلاً : «يصطفل «حزب الله» .. هذا تحرك عوني ونحن لنا مطالبنا».
ينقص عون شيئاً من براغماتية حليفه «الإلهي». ها هو «حزب الله» يهادن في الزبداني على «طريق القدس»، بينما يصرّ الجنرال على التعطيل والمقامرة بـ«حقوق المسيحيين» لإيصال أفراد عائلته الى السلطة. يتعيّن على الجنرال الاستماع بتمعّن الى ما قاله مسؤول لبناني كبير في أحد مجالسه: « على زعيم الرابية أن يهادن بملء إرادته اليوم قبل أن يهادن رغماً عنه بعد أن تأتي إشارة التسويات»، حين لا تنفع الـ«تيشرت» الصفراء لإظهار متانة التحالف!