IMLebanon

العونيون: ليس باللحمة والدجاج فقط يحيا الإصلاح!

«الجنرال» و«اللصوص الأحياء».. و«الحرب العالمية»

عام 2011، بعد ست سنوات تحديداً من اختبار العونيين «الإصلاحيين» تجربة «التزلّج» في زواريب الوزارات والمؤسّسات العامة والإدارات حيث تحكى الأساطير عن فساد يعشّش في النخاع الشوكي لأزلام الدولة، كان ميشال عون لا يزال يردّد «الفاسدون يتصدّون لنا».

بعد سلسلة معارك إصلاحية خاضها «التيار البرتقالي» من مقاعد السلطة، لم يعد بوسعه المجاهرة بواقع كهذا. «الجنرال» علّم الفاسدين على «الإصلاح»، فسبقوه «على الأبواب».

«عنّ» الاصلاح «على بال» وليد جنبلاط فكان وائل ابو فاعور لها. الوزير «السوبر نشيط» لم يتوان عن فضح أحد أسرار الجمهورية. دولة الخدمات السياحية الاولى في المنطقة تُطعِم أبناءها، ومعهم السياح، أطعمة فاسدة وتزوّدهم بالأدوية المنتهية الصلاحية، وتسقيهم مياهاً ملوثة…

الوزير علي حسن خليل لم يقصّر أيضا. ربما يتعيّن إجراء جولة في بعض الدوائر العقارية ودوائر المساحة لرصد خوف من تعوّد على «دحش» المال في جيبه من تكرار فعلته مجددا. الدفعة الاولى من المناقلات غير المسبوقة في صفوف الضابطة الجمركية أوحت بجدّية في الحسم لم يألفها قطاع لفّته روائح فساد صار من «عظام رقبة» السلطة. الاهمّ من ذلك ان وزير المالية يعدّ بأن «الاتي اعظم».

بالتجربة، أثبتت «الصيغة» اللبنانية الاستثنائية في مكوّناتها، ان الإطباق على صحن لحمة فاسدة أو طاووق مضروب او كشف فساد الجمارك يوازي بأضعاف جهود البحث عن 170 مليار دولار ضائعة من حسابات الدولة. وان وزيرا يكشف فضيحة أفخاذ دجاج غير مطابقة وآخر يفضح مافيات التهريب في الجمارك والمطار يعلقان في أذهان اللبنانيين أكثر بكثير من وزير طاقة وضع خطة إصلاحية متكاملة للكهرباء، أو وزير عدل كشف عن إصدار المجلس التأديبي، للمرة الأولى في لبنان، ثلاثة قرارات صرف من الخدمة لقضاة، وإيقاف أربعة قضاة عن العمل.

منذ أكثر من خمس سنوات دخل وزراء «التيار» الى الحكومات مدعّمين بفائض من ادرينالين «الإصلاح والتغيير». رفع ميشال عون نفسه أكثر من بطيخة بيد واحدة: القضاء، المال العام، التفتيش المركزي، مجلس الخدمة، ملء الشواغر، «إصلاح الوزير المفسد والفاسد» (كما ورد في كلمة ألقاها عام 2011 في مؤتمر للتيار الوطني الحر في آذار 2011 عن الفساد)… وغالبا ما طالب بمحاسبة «اللصوص الأحياء» وتحدّث عن الدعم السياسي الذي يؤمّن للملفات «الوسخة» ويُحجَب عن الملفات «النظيفة».

وَقَعت وزارات العدل والشؤون الاجتماعية والطاقة والاتصالات والعمل والتربية بيد «العونيين»، لكن ملفا واحدا لم يثر الغبار الذي أثارته المقانق الفاسدة والسكر والزعتر غير الصالحين للاستخدام.

خصوم العونيين يملكون ما يكفي من الأسئلة التي تشكّك أصلا في «خميرة» الإصلاح الذي يرفعونه فوق أكتافهم. مضبطة الاتهام تختصر بسؤال واحد: أي ملف تبنّاه العونيون وساروا به الى النهاية السعيدة والمرجوّة؟.. وتكرّ الأسئلة.

أين أصبحت «الحرب العالمية» على عبد المنعم يوسف وسهيل بوجي؟ ومشروع الاقتصاص من الوزراء الفاسدين؟ وأين القرار الاتهامي الصادر عن الرابية في قضية سرقة المال العام وتصفير الحسابات والأوراق الثبوتية التي طالبوا بها بشأن صرف الـ11 مليار منذ 2006 وحتى 2009؟ ومشروع مساواة بيروت بالكهرباء مع بقية المناطق؟ والمعارك الكبيرة لإقرار الموازنة والضمان الصحي وإعادة توزيع الضرائب ونقل الاقتصاد من الريعي الى المنتج… وما سبب دفع «الجنرال» أحد وزرائه «الإصلاحيين» الى الاستقالة بسبب طروحاته الـ «سوبر إصلاحية»؟

وسيكون السؤال مشروعاً، برأيهم، عن مصير «الإبراء المستحيل» الذي قال النائب ابراهيم كنعان انه فنّد، في 16 فصلا و251 صفحة، بالأرقام والوثائق والمستندات، كيفية صرف 170 مليار دولار بين 1993 والـ2010 من دون حسابات، وانه حقّق أرقاما قياسية في المبيعات لم يحققها أي كتاب آخر من قبل… وان القضاء بالمرصاد.

قبل نحو ثلاث سنوات، وأمام ناشطين في «التيار الوطني الحر» اتّهم عون «كل النظام القائم بالتواطؤ ضدنا»، قائلا «يستهدفوننا لأننا كشفناهم، وهذا الترهيب لن يجدي معنا أي نفع، لأن ما من شيء يخيفنا. نحن نتّهم الجميع، ونملك كل المستندات والمستمسكات، الدولية والمحلية، ونعلم أنهم لصوص».

في المناسبة نفسها طلب من المسؤولين العونيين أن يحدّدوا سريعا «طريقة التعبئة، لتكونوا جاهزين عندما ندعوكم للنزول إلى الشارع والتظاهر، لنقول لهذه الدولة إن عهدها قد انتهى. نحن لن نتساهل ولن ننتهي معهم إلا في القضاء».

عمليا، لم يحصل شيء من هذا. لكن وزراء «التيار»، من دون استثناء، يستطيعون اليوم أن يدعوك الى قراءة كتاب خطّوه بأنفسهم عنوانه «كيف تستطيع ان تفركش عمل وزير إصلاحي؟». لديهم في يد ما يكفي من الملفات لهدّ الجمهورية على رأس مفسديها، وفي يد اخرى لائحة بالموانع التي حالت دون المضيّ في أكثر من معركة إصلاحية خاضوها باللحم الحيّ.

وسيكون للبعض جرأة القول إنهم من الوزراء الأكثر نظافة ما بعد الطائف، وان الممتعضين من أسلوب المحاسبة والتغيير الذي اعتمدوه في بعض وزاراتهم كان يدفع هؤلاء أحيانا الى تقديم شكوى ضدهم عند.. ميشال عون نفسه!

يرفض الوزراء العونيون كل ما يساق بحقهم بأنهم التهوا بإنشاء إدارات رديفة في الوزارات التي استلموها فـ «طنّشوا» عن المحاسبة. لديهم تقارير مفصّلة عن خطط كانت جاهزة فقط للتنفيذ لكن العرقلة السياسية، بقصد التعطيل، كانت بالمرصاد.

لا يغار العونيون اليوم من «سولو» الإصلاح عند وائل ابو فاعور وعلي حسن خليل. هم يؤيّدون كل ما حصل من إنجازات حتى الساعة، حتى لو ترافق مع الكثير من الزلّات والأخطاء.

لكنهم، كما بعض حلفائهم، يرفضون منطق الشخصنة وبروباغاندا الوزير «القبضاي» ويدعون الى العمل على آلية شاملة تدخل ضمن تركيبة النظام لتجعل الإصلاح من تحت باتجاه فوق، لا العكس. أي من الأساس، لا القشور.

وما دامت «الهجمة»، برأيهم، لا تطال الـ system، بمعنى التركيبة البنيوية التي على أساسها ارتكز هرم الفساد وحوّل أصحاب النفوذ والمحميات الطائفية الى حاكمين بأمرهم في إدارات الدولة ومؤسّساتها، فإن الإصلاح يبقى مجتزأً ومؤقتاً لأنه يتعلق حصراً بقيام وزير ما بواجباته البديهية ضمن وزاراته، ولا يطال مفهوم الورشة الإصلاحية الشاملة التي يشكّل تحصين أجهزة الرقابة أحد أهمّ أساساتها.

وسيكون بديهيا بالنسبة لهم ان يكون الخلاف بين القوى السياسية مسموحا حول أي قضية وأي ملف، ولكن ليس في مجال توحيد الجهود لمحاربة الفساد ووضع الأسس الصحيحة لمواجهته بعيدا عن الاستعراضات التي قد ينتهي مفعولها مع انتقال «القبضاي» من وزارة الى أخرى، كما ان الاستنسابية بحدّ ذاتها مفهوم مناقض للعدالة.

فعلا لا مشكلة لدى العونيين، ممّن يملكون حسّاً عاليا من البراغماتية، في الوزراء «الاستعراضيين»، خصوصا المنتجين منهم، ما دام، كما يقولون، «لدينا عيّنة من وزراء كهؤلاء».

لكن المهم، برأيهم، كما كان هناك شركاء في الفساد في كل العهود ان يكون هناك شركاء في الإصلاح، محاربة الكفتة الفاسدة وملاحقة جرذان المرفأ «ربّيحة إعلامياً»، لكن ماذا حين يصل الملف الى قاض فاسد محمي سياسيا؟ المطلوب إصلاح النظام جذرياً. هذا هو جوهر الإصلاح، غير المرئي شعبيا، الذي ننادي به وعملنا لأجله، لكنه غير موجود على اجندة الجميع.. بمن فيهم حلفاء «التيار».