IMLebanon

العونيون يستعدون لـ«المنازلة الكبرى».. على المكتب السياسي

مع أنّ جبران باسيل تموضع صبيحة يوم الاثنين في «مهامه السياسية» بعدما أنضجت نار المشاورات مع «القوات اللبنانية» طبخة التفاهم، وحان وقت تقديمها للرأي العام بعد وضع اللمسات الأخيرة عليها، لكنه وجد الوقت الكافي ليفلش نتائج الانتخابات المناطقية التي خاضها «التيار الوطني الحر» يوم الأحد الماضي، على طول الخريطة البرتقالية.. أسوة بما فعله رفاقه العونيون الذين خاضوا بـ «المفرق» المواجهات السبع وبدأوا جردة جديدة من الحسابات.

أقفلت صناديق الاقتراع التي خصصت لاختيار 265 موقعاً تنظيمياً على أن يبدأ المتاخصمون والمتنافسون يوماً جديداً، ليثبتوا أنّ الجسم العوني صلب وفيه من المناعة ما يكفي لحمايته من الخضات الانتخابية، على عكس ما كان يروّج له البعض ويجعل من منافسة الصناديق «فزاعة» تمنع «أوكسيجين» الانتخابات عن رئتَيْ الحزبي الطري.

لكن حلبة أخرى أكثر حماوة، يتمّ تجهيزها بعيداً عن الأضواء. قبلها، ستكون شريحة جديدة من البرتقاليين الحزبيين على موعد مع استحقاقها الداخلي، ليكتمل عقد المجلس الوطني المنتخب من القاعدة مباشرة، وفق نظام مختلط فيه بعض النسبية وبعض الأكثرية.

هكذا، ستفتح في نهاية الشهر الحالي صناديق الاقتراع أمام لجان الانتشار والطلاب والنقابات الحرة ليختاروا بدورهم ممثليهم الى المجلس الوطني، على أن تكون المرحلة الختامية من المسار الانتخابي، مع اختيار ستة محازبين للمكتب السياسي مقابل تعيين ثلاثة من جانب رئيس الحزب. وهنا قد تخاض المعركة الكبرى بين القيادة والمعارضة.

أول ملامح خريطة المجلس الوطني بدأ بالتكوّن، إلا أنّ رسمها الحاسم دونه ثغرات عدّة، لا سيما في الحالات التي لا يكون فيها منسق القضاء قادراً على تأمين أكثرية أصوات هيئته، ليكون موقفه محسوماً مسبقاً، في القرارات التي سيتخذها المجلس الوطني.

بالتفصيل، يقضي النظام الداخلي بأنّ أعضاء المجلس الوطني يعودون الى هيئاتهم لتحديد موقفهم من أي قرار سيتخذه المجلس (منها انتخاب المكتب السياسي)، وبالتالي فإنّ المنسق الذي لا تكون تركيبة الهيئة التي يرأسها، منسجمة معه، فإنّها قد تعطّل قراراته، لأنه ملزم بالحصول على موافقة أكثرية أعضاء الهيئة، قبل رفع قراره الى المجلس الوطني تصويتاً.

ولهذا فإنّ خريطة أعضاء المجلس الوطني (المنتخبين حتى الآن)، لا تحسم توجهاته الانتخابية أو السياسية، لا سيما أنّ العديد من هيئات الأقضية غير متجانسة وفيها قدر عال من التنوع الذي يجعل صوت منسقها ضبابياً.

ولكن كل هذا لا يمنع الشروع في التحضيرات لمعركة المكتب السياسي، أقله من جانب المعارضين الذين بدأوا يحسبون حساباتها ويستعرضون الأسماء التي سيخوضون بواسطتها معركتهم الكبرى ليشاركوا جبران باسيل في سلطته. ولهذا فإنّ هذا الفريق أمام تحدّ مصيري جديد سيحدد موقعه في القيادة، إن لناحية تجميع أوراق القوة أو لناحية خوض معركة ذكية تساهم في وصوله الى دائرة القرار.

عملياً، لم تصبغ المعارك السبع التي خيضت على مستوى هيئات القضاء، وهي التي كانت الأكثر حماوة، بطابع حاد فرز العونيين بين اصطفافي السلطة والمعارضة، باستثناء مواقع محددة. في المواقع الأخرى كانت المعارك مختلطة ذات طابع محلي، فيها من الفريقين، حيث لم يحاول المعارضون خوض المواجهات بأداء فاقع ولا بتشكيل جبهة موحدة ولا حتى باعتماد خطاب معارض.

في المقابل، فإنّ البعض الآخر استخدم عضلات السلطة وهيبتها للترويج للائحة التي يدعمها أو التي يرأسها، ما حوّل المعركة الى مواجهة بين الفريقين. مع أنّ كُثراً يؤكدون أنّ تعليمات رئيس الحزب كانت واضحة بالوقوف على الحياد والبقاء على مسافة واحدة من المتنافسين والحؤول دون استخدام عصا السلطة أو جزرتها، ويشيرون بالإصبع الى المواقع التي حاول فيها باسيل التوفيق بين «أبناء الصف البرتقالي» لإلقاء عباءة التفاهم على الاستحقاق، من باب حرصه على عدم إضفاء الشفافية على أول اختبار حزبي.

ومع ذلك، يجوز تسجيل ملاحظات أساسية على هامش المحطة الأولى من الاستحقاق التنظيمي:

ـ أولاً، أثبتت القاعدة العونية أنها تتمتع بدرجة عالية من الوعي والمناعة اللذين خولاها خوض استحقاقها ولو بنسبة كبيرة من التنافس في بعض المواقع، من دون أي أضرار قد تؤذي الجسم التنظيمي.

ـ ثانياً، أثبتت النتائج أنّ المعارضين قوّة لا يستهان بها على الأرض، حتى لو لم يتكتلوا في جبهة انتخابية موحدة، لحسابات مدروسة تتصل بمعركة المكتب السياسي، إلا أنّ الأرقام دحضت المقولة التي روّجت لها السلطة حين عقد التفاهم حول الرئاسة، بأنّ المعارضين هم من طلبوا هذه التسوية خوفاً من الانتخابات التي كانت ستعرّيهم.

– ثالثاً، أثبت «التيار الوطني الحر» أنه يتمتع بدينامية عالية وبأنه جسم نابض غير متخم بالأرقام وبالانتسابات الوهمية، وقد ظهّرتها نسبة الـ90% الاستثنائية في حشد القاعدة للمشاركة في الاستحقاق. وهذا يعني أنّ الماكينات الانتخابية قامت بعملها على أكمل وجه، سواء لجهة التواصل مع الناخبين أو صياغة البرامج الانتخابية أو تجهيز كل العدّة المطلوبة لإقناع المقترعين.

أما لجهة المعارك الدسمة، فإنّ المتابعة بيّنت أنّه كان للأشرفية نكهة خاصة، لسبب بسيط هو أنّ نيكولا صحناوي اختار خوض الانتخابات انطلاقاً من كونه نائباً للرئيس وليس كقيادي بيروتيّ، وسعى الى التأثير على الناخبين بواسطة خطاب السلطة وأدواتها وعضلاتها وحتى عضلات الجنرال ميشال عون، بينما فرضت المعركة على زياد عبس ولم يخترها، كما يؤكد المعنيون، ولم يحاول حتى تقديم لائحته على أنّها ممثلة للمعارضة. ولو خيض الاستحقاق على قاعدة التنافس بين «الرفيقين» حتى لو بفارق شاسع في الأصوات، لكانت انتهت من دون أي ثمن سياسي. على عكس ما حصل بالأمس، وأحرج موقف نائب الرئيس وحتى رئيس الحزب، بينما حمى عبس مستقبله السياسي الذي كان مصيره على المحك فيما لو خسر هذه الجولة.

كما كان لمعركة جبيل طابع استثنائي، خصوصاً أنّ المرشح طارق صادق قدّم نفسه على أنه مرشح السلطة بمواجهة طوني بو يونس المدعوم من سيمون أبي رميا، مع العلم أنّ محاولات عديدة جرت بين باسيل وأبي رميا لحياكة تفاهم انتخابي، لكنها سقطت بفعل إصرار صادق على خوض المعركة.

الى جانب وصفها من جانب أهلها بأنها كانت أشبه بـ«حرب كونية»، فقد تمّيزت انتخابات جبيل بشكوى معارضين من مال سياسي دفع لبعض المقترعين (هناك من يتحدث عن كلفة بلغت 300 ألف دولار)، الى جانب تجاوزات للنظام الداخلي بفعل السماح لنحو 350 حزبياً يحملون بطاقات لم يمض عام على انتساب أصحابها، وفق الشرط الوارد في القانون، بالانتخاب. كما ألحقت 33 بطاقة أيضاً خلال الساعات الأخيرة.

إلا أن عارفيه يسردون رزمة معطيات تؤكد التزامه الحياد، وتحديداً في جبيل:

ـ لو أراد فعلاً التدخل لمنع بعض المرشحين من إكمال معركتهم كونهم لا يحوزون شهادة جامعية كما يقضي النظام الداخلي، لكنه اكتفى بقاعدة المقبولية العلمية حفاظاً على العدالة.

ـ لم يتدخل في تركيب اللوائح من خلال الضغط على المقربين منه ليكونوا ضمن لائحة واحدة.

ـ كان بإمكانه التأثير على النتائج من من خلال لجنة الإشراف الانتخابي، لكنه طبعاً لم يفعلها.

ـ لم يحضر أي لقاء انتخابي في المنطقة.

ـ البطاقات «المشكو منها» عمرها أكثر من سنة ويحق بالتالي لأصحابها ممارسة حقهم الاقتراعي، أما اللغط التقني فحصل حول البطاقات الـ35 الأخيرة كونها ألحقت بلوائح الشطب قبل ساعات من فتح صناديق الاقتراع.

مؤتمر صحافي

الى ذلك، عقد باسيل مؤتمراً صحافياً أكد خلاله أن «الأخلاق والرقي والانضباط سجلت في انتخاباتنا حيث لم تسجل أية مشاكل أو خلافات من أي نوع»، معتبراً أنه «كان هناك احترافية بالعمل ورأينا برامج انتخابية رائعة وإحصاءات في مراكز الاقتراع.. وأظهرنا أنه لا محاور داخل التيار ولا جبهات متعارضة».

وشدد على أن «انتخاباتنا أكدت العديد من الأمور على المستوى الوطني، منها إمكانية وإنما حتمية الانتخابات بلبنان»، مطالباً بـ «ضرورة إجراء انتخابات في لبنان»، مؤكداً أن «النسبية أصبحت ضرورة لاعتمادها في الانتخابات وليست فقط خيارا بالنسبة لنا».