يستعيد التيار الوطني الحر اليوم مزاجاً نضالياً افتقده منذ 9 سنوات. الاستنفار العوني بلغ حدّه الأقصى في جميع الأقضية اللبنانية، فعندما يتعلق الأمر بـ»كسر النائب ميشال عون»، يجتمع الحزبيون والمؤيدون والحردانون والمستقيلون في الساحة نفسها، مجدّدين وفاءهم للجنرال باللحم الحيّ
لم يكن الأمر على هذا النحو منذ تاريخ 13 تشرين الثاني 2006 حين نزل التيار الوطني الحر، بعديده وشبابه، رغم الأمطار المفاجئة وتغيّر البرنامج برمته. لذلك ليس الوضع شبيهاً بالـ»ميني تظاهرات» السابقة من أجل التعيينات وغداة التمديد لقائد الجيش، لا من ناحية الحشد أو إعادة إحياء دور اللجان وشباب المناطق وتحميلهم مسؤولياتهم.
فعلياً، بدأت الساعة الصفر منذ الثلاثاء الماضي عند دعوة النائب ميشال عون التيار الى التظاهر اليوم، وخرجت اللافتات البرتقالية من العالم الافتراضي الى أرض الواقع للمرة الأولى منذ مدة طويلة. كان واضحاً أن الجدّية مطلوبة هذه المرة لثلاثة أسباب: أولاً، تنفيس حماسة العونيين الذين يتوقون الى التظاهر ضد الفساد من دون أن يجدوا لهم مكاناً في تحركات «طلعت ريحتكم». ثانياً استعادة الشعارات المطلبية التي ينادي بها متظاهرو رياض الصلح وإعادة التركيز على الانتخابات وقانونها. ثالثاً، الضغط شعبياً قبيل طاولة الحوار المعتزم عقدها. لذلك، بادرت الرابية الى اغتنام تلك العوامل لصرفها سياسياً وفي الشارع، معتمدة أسلوب الحشد نفسه الذي كان يعتمد خلال تظاهراتها الحاشدة منذ سنوات.
منذ يومين، استعاد العونيون نشاطهم بعد مرحلة من الخمول واليأس غداة جمود التيار سياسياً وانقسامات الانتخابات الحزبية الداخلية. ولأن شعار المرحلة بنظرهم هو «كسر عون»، كان لا بدّ من استنفار تام على كل الأصعدة لتجديد الوفاء لجنرالهم. وهو ما دفع رئيس التيار وزير الخارجية جبران باسيل الى الاتصال شخصياً بكل حزبي غير مقرّب منه، حتى الذين لم يلتقهم يوماً، لدعوتهم الى المشاركة في تظاهرة اليوم وإبلاغهم أن التيار في حاجة اليهم. تنظيمياً، تولت ثلاث لجان العمل. لجنة قطاع الشباب في التيار التي يرأسها أنطون سعيد تولّت التواصل المباشر مع المدارس والجامعات والمهنيين وقدامى المتخرّجين. ويقول سعيد إن «التجاوب كان كبيراً، خصوصاً أن النزول اليوم الى الشارع يتم بعد أن طفح الكيل. هي أيضاً انتفاضة شباب ما دون الثامنة والعشرين من العمر، الذين لم يمارسوا حقهم الديمقراطي في الانتخاب ولا يمثلهم تالياً المجلس النيابي». ويشير الى أن التواصل «شمل الشباب الذين أبعدتهم ظروفهم عن العمل الحزبي، وهم جميعهم ممن كانوا يشاركون في كل اعتصامات التيار خلال التسعينيات». أما لجنة النشاطات التي يرأسها مارك ساسين، فتكفّلت بالتنظيم ووضع برنامج التظاهرة الى جانب تواصلها مع الاعلاميين والفنانين لتسجيل مقاطع فيديو داعمة للتحرك. وهكذا انتشرت فيديوات للإعلامي جورج قرداحي والشاعر نزار فرنسيس والفنانين كارول عون وزين العمر ونقولا الأسطا وجورج وديع الصافي يعلنون فيها تأييدهم للمظاهرة ويدعون جمهورهم الى ملاقاتهم في ساحة الشهداء. وتولت لجنة اللوجستي تأمين كافة متطلبات التحرك اللوجستية من ألفها الى يائها. اللافت أن الحشد هذه المرة تمّ على صعيد كل المناطق اللبنانية، لا جبل لبنان كما جرت العادة، إذ كُلّف مسؤولو الهيئات في جميع الأقضية باستنفار قواعدهم وتحديد نقاط تحرك من البترون والبقاع الغربي والشوف والكورة والمتن والنبطية وبشري وبعبدا وبعلبك وبيروت وزحلة وزغرتا وصيدا وطرابلس وعاليه وعكار وكسروان. وقد تولّى التيار أيضاً تأمين حافلات وسيارات لنقل العونيين الى مكان الاعتصام. على أن الأهم من ذلك كله، والذي يعكس تغييراً في المزاج العوني، إعلان «الحردانين» من ترؤس باسيل للتيار، الملتزمين منهم والذين قدموا استقالاتهم حديثاً، نزولهم الى ساحة الشهداء «لأنو بعدنا مع سياسة التيار»، و»لأن التيار قضية مش أسماء ومراكز».