Site icon IMLebanon

العونيون يستعيدون شارعهم: السلطة لم تغيّرنا

عاد العونيون إلى الشارع، وفرجوا أسارير زعيمهم، الذي نام مطمئناً إلى أن العصب العوني ما يزال مشدوداً، برغم كل سنوات السلطة ومصالحها. نام واثقاً أنه نجح في وضع حد للخسارات السياسية المتلاحقة، ومدركاً أن خزانه الفعلي هو أبناء «التيار» لا وزراؤه ونوابه.. ولا التسويات التي لا يجيدها. أولئك لم يتراجعوا أمام الهراوات والدماء التي سالت منهم بغزارة. لا بل أصروا على خوض «المعركة» حتى النهاية، وإن كان الخصم هو المؤسسة الأحب على قلوب العونيين.

أسئلة كثيرة يمكن طرحها عن التظاهرة وتوقيتها وغاياتها، أبرزها النفس الطائفي الطاغي الذي رافقها. لكن بعيداً عن اختلاف الآراء بشأنها، لا مفر من تسجيل حالة ديموقراطية افتقدها البلد منذ سنوات. حالة أريد لها أن تظل في غيبوبة بعد التهويل بالشوارع المضادة والتحذير من أن التظاهرة قد تخرب البلد.

الساعة الصفر لم تكن أمس، إنما بدأت مع المسيرات السيارة التي جابت معظم المناطق من الشمال إلى الجنوب. أكد العونيون جهوزيتهم وأجبروا كل من ظن أن الحالة العونية قد انطفأت منذ الانتقال إلى صفوف السلطة، على إعادة حساباته. لكن مع ذلك كله، لم يقدم العونيون نموذجاً ديموقراطياً متكاملاً، لأن عنوان تحركهم لم يخرج من حدود الطائفة. لم ينزلوا إلى الشارع للدفاع عن حقوقهم كمواطنين أو للدفاع عن قرارهم الرافض للتمديد للمجلس النيابي أو رفضاً للفراغ الرئاسي أو للمطالبة بإقرار «سلسلة الرتب والرواتب» أو قانون الانتخاب.. نزلوا فقط تحت عنوان حقوق المسيحيين، والذي نجح عون في جعله أولوية الأولويات. وهو عنوان لا نقاش في قدرته على الجذب. كل من في التظاهرة كان لديه الرد نفسه. «نحن ندافع عن حقوق المسيحيين كما دافعنا في الماضي عن حقوق الطوائف الأخرى في العامين 2005 و2006، وبالتالي فإن رفض الاعتداء على حقوقنا هو جزء من حرصنا على الشراكة في البلد».

تحت هذا العنوان كان التجمع عند مركزية «التيار الوطني الحر» في سن الفيل. الدعوة كانت من قبل «قطاع الشباب». والمهمة تقضي بمواكبة جلسة مجلس الوزراء والاستعداد لأي تطور. الرايات البرتقالية كانت كثيفة، كما عادة «التيار». لكن الجديد كان الرايات السوداء أيضاً. إحداها يتوسطها رأس نمر وذيلت بعبارة «عونيون» وأخرى رسمت عليها إشارة الصليب.

وصلت الرسالة المفتعلة من قاعة مجلس الوزراء. استغل الوزير جبران باسيل دخول المصورين ليفتتح مشاجرة حادة مع رئيس الحكومة بدعم من البث المباشر من زميله الياس بو صعب. دبت الحماسة في قلوب المتجمهرين أمام «مبنى ميرنا الشالوحي» وانتقلوا إلى الخطة باء، بضوء أخضر من الرابية. حان موعد المسيرة السيارة باتجاه وسط البلد.

يقول مسؤول القطاع انطون سعيد إن الاعتصام لم يكن مقرراً، لكن تعامل القوى الأمنية مع المسيرة حوّل وجهتها إلى مواجهة مع هؤلاء الذين يفترض أن يصونوا حرية التظاهر ويحموا المتظاهرين.

عند الوصول إلى تمثال الشهداء، انقسمت المسيرة بين من أكمل باتجاه شارع المصارف ومن ذهب يساراً باتجاه مبنى الاسكوا. هؤلاء وجدوا الوصول إلى ساحة رياض الصلح محظوراً عليهم من تلك الناحية، فسعوا إلى فتح طرق جديدة. حاولوا الدخول من نواح عديدة فكانت القوى الأمنية بالمرصاد، قبل أن يعودوا فيلاقوا زملاءهم في شارع المصارف. كانت الأمور ما تزال مضبوطة حينها والتظاهرة السلمية يغلب عليها ترداد لازمة «الله لبنان عون وبس». يقول ميشال متى إن القوى الأمنية «كانت مستعدة للتظاهرة أكثر مما كنا، وحتى قبل أن نقررها».

بعد كر وفر في الزواريب المجاورة، عاد الجمع ليتركز في شارع المصارف حيث اندلعت المواجهات الأعنف، التي لم تتردد فيها القوى الأمنية من اللجوء سريعاً إلى استعمال الهراوات لضرب المتجمعين بقسوة لم تستثن الرؤوس. المفاجأة تبدت في إصرار شباب «التيار» على إكمال طريقهم غير آبهين لما يواجهونه من عنف، لا بل لم يترددوا في الرد على ضاربيهم، وصولاً إلى إيقاع بعض المصابين في صفوف الجيش، على ما أكدت مديرية التوجيه، التي اعتبرت أن المتظاهرين هم من بدأ باللجوء إلى العنف.

نجح الشبان والشابات مراراً في كسر الحواجز العسكرية. أحدهم لم يتردد في الوقوف في وجه العسكري المتأهب قائلاً «قوصني». من لم ينقل إلى المستشفى لم تمنعه إصابته من البقاء مع زملائه، الذين لم يغادروا إلا بعدما وصلوا إلى ساحة رياض الصلح، واستمعوا إلى الوزير جبران باسيل الخارج للتو من مجلس الوزراء برفقة الوزير الياس بو صعب يبشرهم بأنه «أخذنا ما نريد.. وصلاحيات رئيس الجمهورية لن تمس»، قبل أن يبدأوا بفض الاعتصام الذي قيل إن باسيل نجح في استثماره في معركته الداخلية في «التيار».

حصيلة المصابين كانت كبيرة ووصلت إلى 17، نقل منهم أربعة إلى المستشفيات هم هادي حنا، انطون سعيد، طوني اوريان ومنصور الأسمر. والحصيلة كانت أيضاً نجاحا أول لعون في معركة الصلاحيات، التي فرض خلالها أن تكون مناقشة آلية عمل مجلس الوزراء بنداً أول على جدول الأعمال، في مقابل موافقته على كسر كلمته برفض مناقشة أي بند قبل بند التعيينات وإقرار بند يتعلق بالمستشفيات بالإجماع.

تلك السيدة الخمسينية التي فضّلت التعريف عن نفسها بأنها «عونية متمردة» كانت شفتاها ترتجفان من شدة التوتر. قالت «طفح الكيل من الاستخفاف بحقوقنا وقد نفد صبرنا ولن نقبل بعد اليوم أن يتحكم الآخرون بمصيرنا». ذكّرت بقول العماد ميشال عون يوماً بأنه إذا تكلم بالطائفية «فانبذوني»، لكنها اعتبرت أن الأمور وصلت إلى حد غير مقبول، ولو لم يأخذ هذا الموقف لكنا نبذناه.

يرتاح جاد مخول وميشال متى وميشال أبي خليل على حافة الطريق بعد يومهم الطويل. ما تزال الحماسة في وجوههم. هم فخورون بما أنجزوه والأهم أنهم فخورون بأنهم أثبتوا أن «التيار ما يزال جاهزاً للنضال وأن شبابه ما يزالون على عهدهم مع الجنرال». تأثر الشبان بحضور نواب «التيار» وقيادييه. توقفوا عند مشاركة آلان عون وابراهيم كنعان وحكمت ديب ونبيل نقولا وناجي غاريوس وفادي الأعور وفادي عبود الفعلية في التظاهرة، وليس الاكتفاء باستغلال المنابر الإعلامية. وقالوا إنه عند الجد ليس أسهل أن يتخلى قياديو «التيار» عن ربطات العنق.

يتوقف سائق سيارة أمام الجمع محيياً ومعرفاً عن نفسه: أنا في القوات اللبنانية ولكني معكم في تحركــكم وأتمنى أن تسقط الحكومة. لم يغادر الشاب إلا وقد زاد منسوب الفخر في وجوه العونيين المتعبين بعد نهار نضالي طويل.

الجيش: إصابة 7 عسكريين

أعلنت قيادة الجيش اللبناني ـ مديرية التوجيه، في بيان، عن اصابة سبعة عسكريين بجروح مختلفة، بعد إقدام بعض المتظاهرين، ظهر امس، على اجتياز السياج الذي وضعته قوى الجيش في محيط السرايا الحكومية، «واعتداء بعضهم على عناصر الجيش».

وأكدت قيادة الجيش أنها «لم تلجأ إلى استخدام القوة مع بعض المحتجين إلا بعد تعرض هؤلاء للعسكريين واستخدام الشدة معهم». وجددت «التزامها الكامل حماية حرية التعبير السلمي لجميع اللبنانيين من دون استثناء، وتؤكد في الوقت نفسه عدم السماح لأيٍ كان بالتعرض للمؤسسات الدستورية والممتلكات العامة والخاصة، والإضرار المباشر بمصالح المواطنين».